فقال العباس رضياللهعنه : قد سمعنا قولكم فلا لقلة نستعين بكم ، ولا لظنّة نترك آراءكم فامهلونا نراجع الفكر ، فان يكن لنا من الإثم مخرج يصرّ بنا وبهم الحق صرير الجدجد ، ونبسط إلى المجد أكفاً لا نقبضها أو نبلغ المدى ، وان تكن الأخرى فلا لقلة في العدد ، ولا لوهن في الأيد ، والله لولا أنّ الإسلام قيد الفتك لتدكدكت جنادل صخر يسمع اصطكاكها من المحل العليّ » (١).
وخلاصة القول في أبي الفضل العباس رحمه الله انه كان كما وصفه ابنه عبد الله وقد سأله معاوية عن ذلك فقال : رحم الله أبا الفضل ، كان والله عم نبيّ الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقرة عين رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم سيد الاعمام والأخدان ، جد الأجداد ، وآباؤه الأجواد ، واجداده الأنجاد ، له علم بالأمور ، قد زانه حلم وقد علاه فهم ، كان يكسب حباله كل مهند ، ويكسب لرأيه كل مخالف رعديد ، تلاشت الأخدان عند ذكر فضيلته ، وتباعدت الأنساب عند ذكر عشيرته ، صاحب البيت والسقاية ، والنسب والقرابة ، ولم لا يكون كذلك ؟ وكيف لا يكون كذلك ؟! ومدبّر سياسته اكرم من دبّر ، وأفهم من نشأ من قريش وركب (٢).
ومن كلام له يجري مجرى الوصية لابنه عبد الله وذلك في أيام عمر. قال له : « أنت أعلم مني ولكني أشد تجربة للأمور منك ، وان هذا الرجل ـ يعني عمر ـ قد قربّك وقدّمك يستخليك ويستشيرك ويقدمك على الأكابر من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وإني أوصيك بخلال أربع : فلا تفشين له سراً ، ولا يجرينّ
_______________________
(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٣ / ٧٣ ط الاولى بمصر.
(٢) مستدرك الحاكم ٣ / ٣٢٩.