ولمّا مات العباس جلس ابنه الحبر عبد الله للعزاء ، ودخل عليه الناس يعزونه ، وكان فيمن دخل عليه أعرابي وضع يده في يده وقال :
اصبر نكن بك صابرين فإنما |
|
صبر الرعية بعد صبر الرأس |
خير من العباس أجرك بعده |
|
والله خير منك للعباس |
فقال ابن عباس : ما عزاني أحد أحسن من تعزيته (١).
قال ابن قيم الجوزية : « أحجم الناس عن تعزية ولده عبد الله إجلالاً له وتعظيماً ، حتى قدم رجل من البادية فأنشده ... قال فسرّي عنه واقبل الناس على تعزيته » (٢).
وذكر الكتاني في التراتيب الادارية نقلاً عن كتاب رونق التحبير في حكم السياسة والتدبير لمحمد بن أبي العلا بن سماك ، والفروق للقرافي : « روي انّ العباس بن عبد المطلب لمّا مات عظم المصاب به على ابنه عبد الله ، وكان عبد الله بن عباس عظيماً عند الناس في نفسه لأنه كان ترجمان القرآن وافر العقل جميل المحاسن والجلالة والأوصاف الحميدة فأعظمه الناس على التعزية إجلالاً له ومهابة بسبب عظمته في نفسه وعظمة من أصيب به ، فإن العباس عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبقي بعد وفاته مثل والده ... فلمّا مات عظم خطبه وجلت رزيته في صدور الناس وفي صدر ولده عبد الله وأحجم الناس عن تعزيته ، فأقاموا على ذلك شهراً كما ذكره المؤرخون ، فبعد الشهر قدم أعرابي من البادية فسأل عن عبد الله بن عباس فقال الناس ما تريد ؟ قال أريد أن أعزي عبد
_______________________
(١) احياء علوم الدين للغزالي ٤ / ١١٣.
(٢) بدائع الفوائد ٤ / ٢١٧.