الهجرة والتقوا بالنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ومعه المسلمون في طريقهم إلى مكة وذلك في شهر رمضان فكانوا معه. وانتهت تلك الفترة بالتحاق النبيّ الكريم بالرفيق الأعلى في صفر أو ربيع الأوّل عام أحد عشر فهي لم تتجاوز الثلاثة أعوام. وإذا أردنا تحديدها بدقة فلنأخذ بما قاله الذهبي في كتابه : « صحب النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم نحواً من ثلاثين شهراً وحدّث عنه بجملة صالحة » (١) ، وهو تحديد قريب من الواقع. ومهما يكن عمر تلك الصحبة طولاً وقصراً فقد كانت غنية بالعطاء ، مليئة بالبركات ، فضلت صحبة كثير ممّن طالت صحبتهم ولم ينتفعوا بها فلم تغن عنهم شيئاً.
وليس من شك كان له من العناية الآلهية التوفيق خير مساعد على درك ما اكتسب ، حين توفرت له أسباب النجاح ، فكان حفظه عن تعقل وبفضل ما عليه من استعداد في نفسه للتلقي وإعداد من ابن عمه في الإفاضة ، فكان يرعاه ويوليه عنايته ، فأصبح بفضل تلك المواهب والعناية (حبر هذه الاُمة) ، وما حفظه المحكم من القرآن وهو ابن عشر سنين ـ كما حدث بذلك ـ إلّا دليل نبوغه المبكّر وشدة ذكائه. وليس حفظ المحكم ـ وهو من سورة محمّد إلى آخر القرآن ـ سهلاً على من كان في مثل سنّه ، وبل وحتى على من كان أكبر منه.
ألم نقرأ عن آخرين من الصحابة وفيهم من نيّف على الأربعين وأكثر من عمره لم يستطع تعلم سورة من القرآن إلّا بعد جهد ، وكان بعضهم نحر جزوراً عندما ختم سورة البقرة في أثنتي عشرة سنة (٢).
_______________________
(١) سير أعلام النبلاء ٤ / ٤٣٩.
(٢) لاحظ شرح الموطأ
للزرقاني ٢ / ١٩٤جاء فيه : وأخرج الخطيب في رواية مالك عن ابن عمر قال : تعلم عمر في أثنتي عشرة سنة فلمّا ختمها نحر جزوراً ، وقارن ربيع
الأبرار للزمخشري ٢ / ٧٧ ط الأوقاف ببغداد ، ولاحظ أيضاً شرح الموطأ للزرقاني ٢ / ١٩٤ ، وذخائر