ألا أطعمكم من هدية أهدتها لنا أم عقيق ؟ فقال : بلى فجيء بضبَّين مشويين فتبزّق رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم فقال له خالد بن الوليد : كأنك تَقذَرُه : قال : أجل ، قالت : ألا أسقيكم من لبن أهدته لنا ؟ قال : بلى ، فجيء بأناء من لبن فشرب رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم وأنا عن يمينه وأنا عن شماله ، فقال لي : إشرب هو لك ، وإن شئت آثرت به خالداً. فعلمت ما كنت لأوثر بسؤرك عليّ أحداً ، فقال رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم : من أطعمه الله طعاماً فليقل : (اللّهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيراً منه) ، ومن سقاه الله لبناً فليقل : (اللّهم بارك لنا فيه وزدنا منه) ، فإنّه ليس شيء يجزي من الطعام والشراب غير اللبن » (١).
ولو تدبرنا هذا الخبر ، ونظرنا إلى ما تضمنه بعين البصيرة لا البصر ، لرأينا مدى فضل ابن عباس على خالد بن الوليد ، مع فارق السنّ بينهما ، فابن عباس يومئذ ولا زال في سنّ الصبا ، وخالد كان في سنّ الرجولة حتى قال ابن حجر في ترجمته : « وشهد خالد مع كفار قريش الحروب إلى عمرة الحديبية » (٢).
أقول : لو نظرنا إلى الحبر المشار إليه مع ملاحظة فارق السنّ ، لعرفنا كيف فاقت شجاعة ابن عباس الأدبية. وهو صبي. شجاعة خالد. وهو رجل شهد الحروب. فإنّ جوابه الدال على أعتزازه بشرفه مع قوة عارضته في حسن بيانه لشرف الغاية ، وهي الحظوة بفضل السؤر النبوي الشريف ، ما تضاءلت معها شجاعة خالد ، وتصاغرت نفسه فسكتَ ولم يقل شيئاً يرد به عليه.
ومن اللافت للنظر أني قرأت عن ابن عباس رضياللهعنه مكرراً زياراته للرسول الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم في بيت أم المؤمنين ميمونة ، ولم أقف على خبر آخر فيه دخول
_______________________
(١) طبقات ابن سعد ١ ق ٢ / ١١١.
(٢) الاصابة ١ / ٤١٣.