العواطف ، ولا يخدع ببهرجة العناوين والألقاب. فالناس في الخلق سواسية كأسنان المشط ، فمنهم المحسن ومنهم المسيء. ولكلٍ أجر ما أكتسب ( قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ) (١) ، و ( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) (٢).
ثانياً : ومن هنا تعالت صيحات إعادة كتابة التاريخ من جديد ، ولا شك كان من بينها أصوات مخلصة وجادة في دعوتها إلى مراجعة التاريخ الإسلامي على ضوء الكتاب والسنّة ، فلا يدان بريءٌ ، ولا يُبرّأ مذنب ، ولا يجامل الرجال على حساب الشرع. فلا فضل لعربي على أعجمي إلّا بالتقوى ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) (٣) وهذا ما يستدعي رفع الحواجز بين الحاكم والمحكوم في تقويم الأعمال ، كما يستدعي رسم الصورة لكل منهما دون تزويق أو تمزيق ، وفوق مسار الشبهات التي تحجب العقل عن النظرة الموضوعية.
فإذا وجدنا ابن عساكر ـ مثلاً ـ يروي لنا عن عمرو بن العاص مرفوعاً : (قريش خالصة الله فمن نصب لها حرباً سُلب ، ومن أرادها بسوءٍ خُزي في الدنيا والآخرة) (٤). ووجدنا أبا لهب وهو عربي وقرشي وابن سيد البطحاء وزوجته أم جميل عربية وقرشية أيضاً ولما كانا كافرين ، نزلت سورة كاملة في ذمهما والتنديد بهما. فلم تنفعهما القرشية شيئاً. وفي المقابل نجد سلمان الفارسي وبلال الحبشي وصهيب الرومي وهم من السابقين أقوامهم إلى الإسلام كانوا أفضل
_______________________
(١) الأنعام / ١٦٤.
(٢) المدثر / ٣٨.
(٣) الحجرات / ١٣.
(٤) راموز الأحاديث / ٣٣٤ ط استانبول سنة ١٢٧٥ ه.