حتى حديث الجرادة كما سيأتي بيان ذلك كله في الحلقة الرابعة (عبد الله بن عباس في الميزان) إن شاء الله.
وفي مكاتبات المنصور العباسي ومحمد النفس الزكية الحسني ما يؤكد ما قدّمته من تبادل العباسيين وخصومهم الاتهام والشتائم التي نالت الآباء لتنازع الأبناء ، وفي نقائض شعراء العباسيين والعلويين من تبادل الشتم ما لا يحل ذكره.
وهكذا كان من قَدرَ ابن عباس أن يكون العباسيون من أبنائه ، ويكون خصومهم ـ الأمويون والعلويون معاً ـ من أعدائه فلحقته تبعات من هؤلاء وشتيمات من هؤلاء ما شوّه جانباً من تاريخه ، حتى لم يسلم نتيجة لذلك التشويه حتى من غير أولئك كالخوارج ، بل وحتى من غير المسلمين ، فكان ـ باختصار ـ ضحية لأموية حاقدة ، وعباسية بغيضة وحسنية موتورة وخوارج قانصة ، وأخيراً ليهودية وصليبية كافرة (١).
رابعاً : إذن ليس من السهل غربلة المتناقضات في شتات أخبار ابن عباس.
ولم يكن من الهيّن استخلاص تاريخه سليماً من بين تلك الشوائب الكثيرة.
ولا بد لي وأنا أعنى بتاريخه أن أتخطى الحواجز ـ فيما أحسب ـ حين قرأته في مختلف مصادره وعليّ بذل الجهد البالغ مع الصبر والأناة ، وقد تم لي ذلك ـ والحمد لله ـ وإن عانيت طويلاً حتى استوت معرفتي به معرفة يسّرت لي تمييز ما هو صحيح وثابت له أو عليه ، فوضعت صورته حسب رؤيتي له في اطارها الخاص ، دون تجاوز الحدين. الإفراط والتفريط ، ومن دون تلميع أو تغليف ، لتكون أقرب إلى واقعها ، وهي ـ في نظري ـ أفضل من الصور
_______________________
(١) سيأتي مزيد بيان عن تحامل المستشرقين الذين تناولوه بالطعن أمثال جولد زيهر اليهودي وشبر نجر وغيرهما.