أمّا الأوّل وهو احتمال وجود قرينة في المقام عرفها بعضهم ولم يعرفها آخرون ، فهو من واهي الأحتمالات وقد مرّ مثله والجواب عنه فراجع ما مرّ عن المازري وقبل ذلك ما قلناه مع الخطابي.
وأمّا الثاني وهو إمّا إحتمالاً أن يكون عمر أشفق على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فمنع من أمتثال أمرِهِ ، فهذا من قبيل المثل (اكوس عريض اللحية) فكيف يكون مشفقاً عليه وهو يعلن ردّ أمره ويشغب عليه ؟ وأين منه الشفقة وقد سمّاه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مكلّبا. كما في حديث ابن عمر الّذي أخرجه الدارقطني في سننه قال : « خرج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في بعض أسفاره فسار ليلا فمرّوا على رجل جالس عند مقراة له (١) فقال عمر : يا صاحب المقراة أولغت السباع الليلة في مقراتك ؟ فقال له النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : (يا صاحب المقراة لا تخبره هذا مكلِب ، لها ما حملت في بطونها ولنا ما بقي شراب وطهور) ... ا ه » (٢).
أقول : والمكلِب ـ بكسر اللام ـ معلم الكلاب للصيد ، وبفتحها المقيّد ولما كان معروفاً بالغلظة والشدة ، وإذا لاحاه بعض أهله أصطلم أذنه شبّهه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بالمكلّب معلّم الكلاب ، إذ لا يكون معلّمها إلّا من هو أكلب منها لتخافه ، فمن كان كذلك أين منه الشفقة المزعومة ؟
وأمّا أحتمال خشية تطرق المنافقين فيجدوا سبيلاً إلى الطعن فيما لو كتب صلىاللهعليهوآلهوسلم فهذا مرّ عن الخطابي ومرّ الجواب عنه. وأمّا تمثيله لتطرق المنافقين بادعاء الرافضة الوصية ، فليس ادّعاؤهم من دون دعوى البكرية أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم أراد أن يكتب لأبي بكر بالخلافة ، بل أدعاؤهم كان هو الحقّ الّذي لا مرية فيه ، لأنّه قد
_______________________
(١) المقراة : كل ما أجتمع الماء فيه ـ القاموس.
(٢) سنن الدارقطني ١ / ٢٦.