٣ ـ كيف يكون عمر أفقه من ابن عباس لأنّه قال : « حسبنا كتاب الله ». ومن المعلوم يقيناً أنّ الكتاب المجيد لم يتكفل ببيان جميع أحكام الشريعة بتفاصيلها ، فخذ مثلاً حكم فريضة الصلاة الّتي هي عمود الدين فلم يرد في الكتاب المجيد ما يبين جميع فروضها وأركانها وسائر أحكامها وسيأتي مزيد بيان حول عدم الإستغناء في الأحكام بالكتاب وحده ، ولابدّ من أخذ السنّة معه.
ولنعد إلى تفضيل النووي لعمر على ابن عباس في فقاهته. ولنسأله أين كانت فقاهة عمر غائبة عنه يوم يقول لابن عباس : « قد طرأت علينا عُضَل أقضية أنت لها ولأمثالها » (١).
وأين كانت فقاهته حين يقول له : « غص غواص » (٢).
فكيف يكون عمر أفقه من ابن عباس ؟ وعمر هو القائل : « من كان سائلاً عن شيء من القرآن فليسأل عبد الله بن عباس » (٣) ، وأين غابت عنه فقاهته يوم سئل عن مسألة فقال فيها ، فقام إليه ابن عباس فساره فقال : يا أميرالمؤمنين ليس الأمر هكذا ، فأقبل عمر على العباس ـ وكان عنده ـ فقال له : يا أبا الفضل بارك الله لك في عبد الله إنّي قد أمّرته على نفسي فإذا أخطأت فليأخذ عليَّ (٤) ... إلى غير ذلك ممّا قاله عمر وغير عمر في علم ابن عباس وسيأتي بعض تلك الأقوال في تاريخه العلمي.
_______________________
(١) روى ابن سعد قول عمر عن سعد بن أبي وقاص بلفظ آخر : ولقد رأيت عمر بن الخطاب يدعوه للمعضلات ثمّ يقول عندك قد جاءتك معضلة ثمّ لا يجاوز قوله وان حوله لأهل بدر من المهاجرين والأنصار (طبقات ابن سعد ٢ ق ٢ / ١٢٢) ، وراجع فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل برقم ١٩١٣.
(٢) طبقات ابن سعد (الطبقة الخامسة) ١ / ١٤١ تح السُلمي ، وسير أعلام النبلاء ٣ / ٢٤٦ ط مؤسسة الرسالة ، وفضائل الصحابة ٢ / ٦٨١ ط مؤسسة الرسالة.
(٣) فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل برقم ١٨٩٣ ط مؤسسة الرسالة بيروت سنة ١٤٠٣.
(٤) فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ٢ / ٩٨٢ برقم ١٩٤٢ ط مؤسسة الرسالة.