وأمّا ثانيهما : فهو من نسج الخيال ولا نطيل فيه المقال لكننا نسأل النووي عن مزاعمه التالية :
١ ـ قوله اتفق العلماء ؟ فأين وقع ؟ ومتى وقع ؟ ثمّ كيف يزعم ذلك وهو الّذي سبق منه أن قال : « اختلف العلماء » في المراد من الكتاب ، فهم حين اختلفوا في المراد كيف اتفقوا على أنّ الحديث من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره لأنّه خشي أن يكتب أموراً ... الخ وفهم عمر على زعمه لا يتفق مع أصحاب القول الأوّل ولم يرده عمر. وإنّما يتفق مع أصحاب القول الثاني فقط. فكيف يكون اتفاق مع هذا الاختلاف ؟
٢ ـ قوله : « إنّه من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره ». فكيف يزعم له ذلك ولازمه أن يكون عمر أبصر بمصلحة الأمة من نبيها ؟ ولعل النووي يرى ذلك ! ولكن لم يجرأ على البوح به فقال الّذي قال ، ومهما كان عمر فليس يُصدّق زعم من يرى فيه أنّه خشي أن يكتب أموراً ربّما عجزوا عنها ، لأنّ مبنى عذر النووي هو الخشية والاحتمال لا التحقق ، ومع ذلك ربّما تكون النتيجة العجز ولربما لا تكون ، ولو سلمنا جدلاً أنهم عجزوا عنها فهم معذورون و ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ) (١).
ثمّ إنّ عمر لم يكن مسدّداً بالوحي ورسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان ينزل عليه الوحي ، فهلا احتمل بدقيق نظره ؟ ـ كما يحلو للنووي وصفه بذلك ـ أنّ ما أمر به رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان من أمر الوحي فهو مأمور بالتبليغ عند الإطاعة ، فإذا هم عصوا تركهم وتركاضهم في الضلال فلماذا منع عمر من امتثال أمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟
_______________________
(١) البقرة / ٢٨٦.