فكلّ أولئك ليس بالممكن وليس بالمعقول ..
وإنّما الممكن والمعقول هو الّذي كان ، وهو الحب والإيثار ، والتمهيد لأوانه ، حتى يقبله المسلمون ويتهيأ له الزمان » (١).
هذا ما تفتقت عنه عبقرية العقاد ، ولا نطيل عند أقواله. ولكن لنا أن نسأل منه. ونحن أيضاً نكبر فيه ذلك النظر الثاقب إلى أبعد العواقب. حين حاول جاهداً دفع معرّة النشاط المحموم الّذي كان من عائشة في تهيئة الأجواء لأبيها وصاحبيه ، فدفع ذلك بالصدر دون حجة ، بينما هي الّتي تقول كما رواه مسلم في الصحيح واحتج به ابن تيمية ـ كما مرّ ـ وقد سئلت عمن كان يستخلف النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لو استخلف فسمت أباها ثمّ عمر ثمّ أبا عبيدة بن الجراح ثمّ انتهت إلى هذا. فلماذا جعل هذا زعماً روّجه بعض المستشرقين ؟
وأين هم من عائشة ومعنى ما رواه مسلم عنها ، ومن أين لها علم ذلك إن لم يكن ثمة تدبير وتمهيد ، وتواطؤ وائتمار :
ثمّ الّذي قاله في عبقرية عمر من أنّ نفس عمر هي تلك النفس الّتي تدعم الأخلاق من الأساس وهي ذلك الصرح الشامخ ... كيف يتم له صدق ذلك وهو الّذي يقول بعد هذا ـ في مراجعة عمر للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في صلح الحديبية ـ : « انّها كانت من خلائق عمر الّتي لا محيد عنها ولا يأباها النبيّ ؟ وكثيراً ما جاراه واستحب ما أشار به وعارض فيه (؟) ».
أليس هذا من زخرف القول ؟ فهذه كتب السيرة والتاريخ تذكر انّ عمر كان فظاً غليظاً ولا يهمنا ذلك بمقدار ما يهمنا تنبيه القارئ إلى انّ هذه نفس عمر الّتي كانت تدعم علم الأخلاق من الأساس كما يقول العقاد.
_______________________
(١) نفس المصدر / ٧٩٥.