وأستنبطوا لكلٍ وجهاً في القراءة ، حتى جعلوها من الإنشاء إلى الاخبار ثمّ عادوا إلى الإستفهام في مقام الإنكار وهو تشريق وتغريب ، وتصعيد بلا تصويب ، وإذ لم يجدوا مناصاً في إنكارها ، جعلوها فضيلة لعمر بعد أن كانت وصمة عليه. فقالوا إنّما قال ذلك إنكاراً على من تخلف عن أمتثال أمر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهذا التفسير يأباه عليهم حتى عمر.
ومهما يكن فإنّ الصحيح عندي أنّه قال : « انّ الرجل ليهجر » كما رواها الغزالي (١) ، وإن ورد أيضاً : « انّه يهجر » كما في الصورة الحادية عشرة من صور الحديث ، وقد مرّت نقلاً عن ابن سعد في الطبقات (٢) ، ونقلها البيهقي مسنداً (٣) ، وذكرناها عن المستخرج للإسماعيلي ، نقلاً عن الملا عليّ القارئ في شرح الشفاء (٤) ، وفي طبقات ابن سعد أيضاً ، ومسند أحمد (٥) ، وكتاب السنّة للخلال المتوفى سنة ٣١١ (٦) ، ومعجم الطبراني الكبير (٧) ، وغيرها : « فقالوا : إنّما يهجر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم » ، وفي لفظ الطبري : « انّ رسول الله يهجر » (٨) ، وفي تاريخ ابن خلدون : « فتنازعوا وقال بعضهم : انّه يهجر ، وقال بعضهم : أهجر ؟ يستفهم » (٩).
_______________________
(١) سرّ العالمين / ٩ ط مصر سنة ١٣١٤ ه. ولا يضرنا التشكيك في نسبة الكتاب إلى الغزالي بعد أن نسبه إليه سبط ابن الجوزي الحنبلي في تذكرة الخواص.
(٢) طبقات ابن سعد ٢ ق ٢ / ٣٦.
(٣) سنن البيهقي ٣ / ٤٣٥ ط بيروت سنة ١٤١١ (باب كتابة العلم في الألواح والأكتاف).
(٤) شرح الشفاء لملا علي القارئ ٢ / ٣٥٣ ط استنابول سنة ١٣١٦ ، ونسيم الرياض للخفاجي ٤ / ٢٧٩ ط أفست دار الكتاب العربي بيروت.
(٥) مسند أحمد ٥ / ٣٥٥.
(٦) كتاب السنّة ١ / ٢٧١ ط الرياض.
(٧) معجم الطبراني الكبير ١١ / ٤٤٥ ط الموصل.
(٨) تاريخ الطبري ٣ / ١٩٣ط دار المعارف.
(٩) تاريخ ابن خلدون ١ / ٨٤٩ ط دار الكتب اللبناني.