الغني بالفقير ، والشريف بالوضيع ، ابتلينا هؤلاء الرؤساء من قريش بالموالي ، فإنهم إذا نظر الشريف إلى الوضيع قد أمن قلبه ، يقول : سبقني هذا إلى الإسلام فلا يسلم.
وإنما قال : فتنا وهو لا يحتاج إلى الإخبار؟ قيل : لأنه عاملهم معاملة المختبر.
قوله ( أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ) [ ٨ / ٢٨ ] أي بلاء ومحنة وسبب لوقوعكم في الجرائم والعظائم ، يعني أنه سبحانه يختبرهم بالأموال والأولاد ، ليتبين الساخط لرزقه ، والراضي بقسمه ، وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم ، ولكن لتظهر الأفعال التي بها يستحق الثواب والعقاب ، لأن بعضهم يحب الذكور ويكره الإناث ، وبعضهم يحب تثمير المال. كذا نقل عنه عليهالسلام في تفسير ذلك.
والْفِتْنَةُ في كلام العرب : الابتلاء والامتحان والاختبار ، وأصله من فَتَنْتُ الفضة إذا أدخلتها في النار لتتميز.
قوله ( إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ ) [ ٢ / ١٠٢ ] أي ابتلاء من الله.
قوله ( فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ ) [ ٥٧ / ١٤ ] أي محنتموها بالنفاق وأهلكتموها.
قوله ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً ) [ ٨ / ٢٥ ] أي بلية ، وقيل ذنبا ، وقيل عذابا وقوله ( لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ) لا يخلو إما أن تكون جواب الأمر ، أو نهيا بعد أمر معطوف عليه محذوف الواو ، أو صفة لِفِتْنَةٍ ، فإذا كانت جوابا فالمعنى : إن أصابتكم فِتْنَةٌ ، لا تصيب الظالمين منكم خاصة ، ولكنها تعمكم.
وإنما جاز دخول النون في جواب الأمر؟ لأن فيه معنى النهي.
وإذا كان نهيا بعد أمر فكأنه قال : واحذروا بلية أو ذنبا أو عقابا ، ثم قال : ولا تتعرضوا للظلم فتصيب البلية أو العقاب أو أثر الذنب ووباله من ظلم منكم خاصة.
وكذلك إذا جعل صفة على إرادة القول ، كأنه قيل ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً ) مقولا فيها ( لا تُصِيبَنَ ).