فلم يلبث أن مر بخباز فتغفله (١) فأخذ من دكانه رغيفين مسارقة (٢) ، فتعجبت منه ، ثم قلت في نفسي : لعله معاملة ، قم مر بعده بصاحب رمان فما زال به حتى تغفله فأخذ من عنده رمانتين مسارقة ، فتعجبت منه ، ثم قلت في نفسي : لعله معاملة ، ثم أقول : وما حاجته إذا إلى المسارقة ، ثم لم أزل أتبعه حتى مر بمريض فوضع الرغيفين والرمانتين بين يديه ومضى ، وتبعته حتى استقر في بقعة من الصحراء ، فقلت له : يا عبد الله لقد سمعت بك وأحببت لقاءك ، فلقيتك ولكنني رأيت منك ما شغل قلبي! وإني سائلك عنه ليزول به شغل قلبي ، قال : ما هو قلت : رأيتك مررت بخباز وسرقت منه رغيفين ، ثم بصاحب الرمان وسرقت منه رمانتين! قال : فقال لي : قبل كل شئ حدثني من أنت؟ قلت : رجل من ولد آدم عليهالسلام من أمة محمد صلىاللهعليهوآله. قال حدثني من أنت؟ قلت : رجل من أهل بيت رسول الله صلىاللهعليهوآله. قال : أين بلدك قلت : المدينة. قال : لعلك جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم قلت : بلى. فقال لي : فما ينفعك شرف أصلك مع جهلك بما شرفت به وتركك علم جدك وأبيك لئلا تنكر ما يجب أن يحمد ويمدح عليه فاعله؟ قلت : وما هو؟ قال : القرآن كتاب الله! قلت : وما الذي جهلت منه؟ قال : قول الله عزوجل : « من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها (٣) » وأني لما سرقت الرغيفين كانت سيئتين ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين فهذه أربع سيئات فلما تصدقت بكل [ واحد ] منهما كان لي [ بها ] أربعين (٤) حسنة فانتقص من أربعين حسنة أربع بأربع سيئات بقي لي ست وثلاثون حسنة. قلت : ثكلتك أمك! أنت الجاهل بكتاب الله ، أما سمعت أنه عزوجل يقول : « إنما يتقبل الله من المتقين (٥) » إنك لما سرقت رغيفين
__________________
(١) تغفله : تحين غفلته وترصدها. ( م )
(٢) سارقه : اختلس منه على غفلة. ( م )
(٣) الانعام : ١٦٢.
(٤) يمكن تصحيح نصب « أربعين » بجعله خبرا والضمير المستتر في « كان » الراجع إلى التصدق أو « ما ذكر » اسما له لكن الأظهر رفعه بناء على كونه اسما والجار والمجرور المتقدمين خبرا سيما على النسخة التي تثبت لفظة « بها ». ( م )
(٥) المائدة : ٣١.