صلىاللهعليهوآله لعلي عليهالسلام « أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي » فهذا القول يدل على أن منزلة علي منه في جميع أحواله بمنزلة هارون من موسى في جميع أحواله إلا ما خصه به الاستثناء الذي في نفس الخبر. فمن منازل هارون من موسى أنه كان أخاه ولادة ، والعقل يخص هذه ويمنع أن يكون النبي صلىاللهعليهوآله عناها بقوله لان عليا لم يكن أخا له ولادة. ومن منازل هارون من موسى أنه كان نبيا معه ، واستثناء النبي يمنع من أن يكون علي عليهالسلام نبيا. ومن منازل هارون من موسى بعد ذلك أشياء ظاهرة وأشياء باطنة ، فمن الظاهرة أنه كان أفضل أهل زمانه وأحبهم إليه وأخصهم به وأوثقهم في نفسه ، وأنه كان يخلفه على قومه إذا غاب موسى عليهالسلام عنهم ، وأنه كان بابه في العلم ، وأنه لو مات موسى ، وهارون حي كان هو خليفته بعد وفاته. والخبر يوجب أن هذه الخصال كلها لعلي من النبي صلىاللهعليهوآله. وما كان من منازل هارون من موسى باطنا وجب أن الذي لم يخصه العقل منها كما خص إخوة الولادة فهو لعلي عليهالسلام من النبي صلىاللهعليهوآله وإن لم نحط به علما لان الخبر يوجب ذلك وليس لقائل أن يقول : إن يكون النبي صلىاللهعليهوآله عنى بعض هذه المنازل دون بعض فيلزمه أن يقال : عنى البعض الاخر دون ما ذكرته فيبطل جميعا حينئذ أن يكون عنى معنى بتة ويكون الكلام هذرا (١) والنبي لا يهذر في قوله لأنه إنما كلمنا ليفهمنا و يعلمنا عليهالسلام فلو جاز أن يكون عنى بعض منازل هارون من موسى دون بعض ولم يكن في الخبر تخصيص ذلك لم يكن أفهمنا بقوله قليلا ولا كثيرا ، ولما لم يكن ذلك وجب أنه قد عنى كل منزلة كانت لهارون من موسى مما لم يخصه العقل ولا الاستثناء في نفس الخبر وإذا وجب ذلك فقد ثبتت الدلالة على أن عليا عليهالسلام أفضل أصحاب رسول الله و أعلمهم وأحبهم إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله وأوثقهم في نفسه ، وأنه يجب له أن يخلفه على قومه إذا غاب عنهم غيبة سفر أو غيبة موت ، لان ذلك كله كان في شرط هارون ومنزلته من موسى.
فإن قال قائل : إن هارون مات قبل موسى ولم يكن إماما بعده فكيف قيس (٢)
__________________
(١) الهذر : سقط الكلام الذي لا يعبأ به. وهذر في كلامه : تكلم بما لا ينبغي.
(٢) في بعض النسخ [ قستم ]. وفى بعضها [ قست ].