يجب أن يعلّق الحكم بالقذارة على غاية العلم بالطهارة ، ويقال : الماء كلّه قذر حتّى يعلم أنّه طاهر ، كما هو مفاد القول بأنّ الكرّيّة مانعة عن الانفعال وأنّ القلّة ليست شرطا في الانفعال ، وأنّ المشكوك فيه المردّد بين الكرّيّة والقلّة يلحق بقاعدة الانفعال لا أصالة الطهارة وهو كما ترى ، وقضيّة كلّ ذلك كون التغيّر والملاقاة رافعين للطهارة المعلومة بالشرع مع اشتراط الثاني في رافعيّته بالقلّة.
والاحتجاج على أنّ الكرّيّة في موضوع المسألة مانعة عن الانفعال ، بأنّ المستفاد من الصحيح المشهور « إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء » (١) أنّ الكرّيّة علّة لعدم التنجيس ، ولا نعني بالمانع إلّا ما يلزم من وجوده العدم.
يدفعه : منع ذلك ؛ بأنّ ذلك كما أنّه محتمل لأن يكون من جهة أنّ الكرّيّة مانعة عن الانفعال ، فكذلك محتمل لأن يكون الكرّ ملزوما لانتفاء شرط الانفعال ، فالكرّ لا ينفعل إمّا لأنّه علّة لعدم الانفعال ، أو لأنّه ملزوم لانتفاء شرط الانفعال ، فكيف يستفاد منه العلّيّة على التعيين؟
فإن قلت : قد تقرّر في الاصول أنّ الجملة الشرطيّة ظاهرة في سببيّة المقدّم للتالي ، فلا يمكن رفع اليد عن هذا الظهور بلا صارف.
قلت : قد علمنا بملاحظة أدلّة التغيّر أنّ الكرّيّة ليست بعلّة تامّة بل هي جزء للعلّة ، وهي مركّبة عنها وعن عدم التغيّر ، فكما أنّ استعمال أداة التعليق ـ الظاهرة في العلّيّة ـ في مجرّد التلازم بين المقدّم وانتفاء شرط نقيض التالي مجاز وإخراج لها عن الظهور ، فكذلك استعمالها في شرطيّة المقدّم للتالي وكونه جزءا للعلّة أيضا مجاز وعدول عن الظاهر ، فيبقى قوله صلىاللهعليهوآله : « خلق الله الماء طهورا لا ينجّسه شيء إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه » (٢) الظاهر في كون القلّة شرطا للانفعال ـ كما يعترف به المدّعي لكون الكرّيّة مانعة عن الانفعال ـ مرجّحا للمجاز الأوّل ، إن لم نقل بأنّه في نفسه أرجح ، نظرا إلى أنّ التلازم أقرب إلى العلّيّة وأشبه بها من حيث اقتضائه اللزوم في الوجود والعدم معا من
__________________
(١) الوسائل ١ : ١٥٨ ، ب ٩ من أبواب الماء المطلق ح ٢ ـ التهذيب ١ : ٤٠ / ١٠٩ ـ الاستبصار ١ : ٦ / ٢.
(٢) الوسائل ١ : ١٣٥ ، ب ١ من أبواب الماء المطلق ح ٩.