المقتضي ، مانعا عن الأخذ بالمقتضي ، بل المقتضي في الحقيقة هو عنوان المائيّة ، فيوجد المقتضي حيثما وجد وينتفي حيثما انتفى ، والكرّيّة إنّما اعتبرت ميزانا لمعرفة أنّ الكرّ هو أقلّ مراتب ما يسلم من هذا العنوان العامّ عمّا يزاحمه في فعليّة الاقتضاء.
ولو سلّم فمقتضى الجمع بين منطوق هذه الرواية ومفهومها تنوّع هذا العنوان إلى نوعين وانكشاف عدم كونه بما هو هو عنوانا في الشريعة ، بل العنوان الّذي يدور عليه الحكم إنّما هو النوعان المذكوران ، أحدهما : ما هو موضوع المنطوق وهو الماء البالغ حدّ الكرّ ، وثانيهما : ما هو موضوع المفهوم وهو الماء الغير البالغ هذا الحدّ. وقضيّة ذلك : كون المشكوك في كرّيّته كائنا ما كان مجملا مصداقيّا مردّدا بين كونه من أفراد هذا النوع ، أو ذاك النوع ومعه فكما لا يمكن إلحاقه بالنوع الأوّل فكذا لا يمكن إلحاقه بالنوع الثاني.
وقضيّة ذلك لزوم الرجوع إلى الاصول العمليّة من احتياط كما صار إليه صاحب الحدائق ـ فيما عرفت (١) ـ بناء على مذهبه فيما لا نصّ فيه من كون المرجع فيه هو الاحتياط ، أو استصحاب للطهارة السابقة ونحوها ، لا الحكم عليه مطلقا بالانفعال إلّا فيما لو كان مسبوقا بالقلّة وشكّ في بلوغه حدّ الكرّ ، فإنّ اللازم حينئذ أن يترتّب عليه أحكام ما دون الكرّ ، عملا بالأصل الموضوعي الوارد على الأصل الحكمي كما قرّر في محلّه.
وأنت خبير بأنّ موضوع المسألة لا ينحصر أفراده في مثل ذلك بل هو في الحقيقة خارج عن هذا الموضوع ؛ إذ لا أظنّ أحدا يقول في مثله بالطهارة عملا بالأصل المستفاد من العمومات ، ولا يكون ذلك من باب تخصيص العامّ بالأصل العملي حتّى يقال : بمنع ذلك عندهم ، بل المخصّص له في الحقيقة إنّما هو أدلّة انفعال القليل ، والعمل بالأصل المذكور تعميم في موضوع تلك الأدلّة بدعوى : أنّ القليل المحكوم عليه بالانفعال أعمّ من أن يكون كذلك بحسب الواقع أو بحسب الشرع ، عملا بعموم أدلّة الاستصحاب القاضية بأنّه ممّا جعله الشارع طريقا للمكلّف إلى إحراز الواقع من موضوع أو حكم ، وأقامه مقام العلم بالواقع الحاكمة على سائر الأدلّة المقتضية لاعتبار الواقع بطريق علمي ، فليتدبّر.
__________________
(١) الحدائق الناضرة ١ : ٢٣٤.