فهل لك أن تقول : بأنّ ما عرى عنهما ليس بماء ، أو أنّه ليس من الكرّ حتّى لا يكون مشمولا للدليل ، أو تقول : بأنّ ذلك شرط خارج عنهما بكليهما معتبر معهما في الحكم على حدّ سائر الشروط الواردة في الشريعة ، ولم يقم عليه من الشارع دلالة ولا إشارة مع كون الحكم ممّا يعمّ به البلوى ، بل هو أعمّ ابتلاء من سائر الشرعيّات.
وتوهّم : عدم انصراف الهيئة التركيبيّة إلى نظائر المقام ، مع عدم اقترانها بما يوجب ذلك ، وظهور سياقها في ورودها لإعطاء قاعدة كلّيّة مندرجة في قولهم عليهمالسلام : « علينا أن نلقي إليكم الاصول وعليكم أن تفرّعوا » (١) الّتي لا تصلح لذلك إلّا على تقدير كون موضوعها مأخوذا على وجه عامّ معبّر عنه بالماهيّة لا بشرط شيء ، ممّا لا ينبغي الالتفات إليه.
وكلّ ذلك ممّا يرفع الحاجة إلى التشبّث بالاعتبارات أو الاستبعادات المخرجة في المقام لتأييد هذا المذهب ـ الّتي قد عرفت بعضها ـ كما أنّه ممّا يحسم مادّة الاستبعادات والاعتبارات الاخر المخرجة لتأييد خلاف المذهب بالكلّيّة ، كما أنّه ممّا لا يفترق فيه الحال بين أنواع الاختلاف ، ولا بين أوضاع الماء من علوّ أو دنوّ أو غيرهما ، فإنّ قضيّة العموم تقوّم كلّ بعض من أبعاض الكرّ بالآخر كيفما اتّفق.
والقول : بأنّ الأسفل والأعلى لو اتّحدا في الحكم للزم تنجيس كلّ أعلى طاهر متّصل بأسفل متنجّس مع فرض قلّة المجموع وهو باطل ، فحيث إنّه لا ينجّس بنجاسته فلا يطهّر بطهارته ، كما عرفته من المحقّق الكركي (٢).
يدفعه : منع الملازمة ، بعد ملاحظة قيام الدلالة على المقدّم دون التالي ، بل قيامها على خلافه كما عرفته من الإجماع ، مع أنّا لا نقول : بأنّ العالي يطهّر بطهر السافل ، إذ ليس بحثنا في مسألة التطهير ، بل نقول : إنّه لا ينفعل من جهة وجوده كما في صورة العكس ، وعدم كونهما متّحدين في سائر الأحكام لا يقضي بكونهما كذلك في مسألة التقوّم والاعتصام ، لوضوح بطلان دعوى الملازمة ، كيف ولو لا ذلك اتّجه قبول الانفعال وهو لكونه حكما مخالفا للأصل بل الاصول لا بدّ له من دلالة ، وأنّى لهم الدلالة عليه ، مع
__________________
(١) الوسائل ٢٧ : ٦١ ، ب ٦ من أبواب صفات القاضي ح ٥١.
(٢) تقدم في الصفحة : ١٢٤.