شرعي يحرز به الواقع تعبّدا من الشارع يرتفع معه الشكّ في البراءة ارتفاعا شرعيّا.
ومن هنا ينقدح أنّه لو قرّر هنا في بعض الفروض النادرة أصل آخر مخالف لكلا القولين كقاعدة الشغل الجارية عندنا عند الشكّ في المكلّف به ودوران الأمر بين المتباينين ، فيما لو فرض انحصار الماء في القليل الملاقي للنجاسة عند الاشتغال بمشروط بالطهارة المردّدة في الفرض بين المائيّة والترابيّة المقتضية للجمع بينهما لم يكن في محلّه ، لارتفاع ذلك الشكّ والتردّد بواسطة الأصل الموضوعي المذكور ، وبالجملة : لو كان في المسألة أصل فهو مختصّ بالقول الثاني.
وتظهر فائدته في أمرين أحدهما : أنّ المطالب بالدليل في المسألة أصحاب القول الأوّل ، لمصيرهم إلى مخالفة الأصل دون أهل القول الثاني ، فلو وجدتهم حينئذ مستندين إلى دليل آخر فهو تفضّل منهم.
وثانيهما : كونه المرجع جدّا عند فقدان الدليل ، أو وجوده مجملا أو معارضا بمثله ، المساوي له من جميع الجهات ، الموجب للعجز عن الترجيح.
وأمّا ما يتراءى عن بعض العبائر من ظهور فائدته في مقام الترجيح ، لأنّه يوجب اعتضاد الدليل المقتضي لما يوافقه وتأيّده به ، فهو كلام ظاهري منشؤه عدم التأمّل في مفاد الأصل ، وموضوعه المغاير لموضوع الدليل ، والغفلة عمّا قدّمنا الإشارة إليه من أنّ المعاضد كالمعارض يشترط فيه وحدة الموضوع فيما بينه وبين ما يتعاضد به ، وهي ممّا يمتنع فيما بين الاصول العمليّة والأدلّة الاجتهاديّة ، وقضيّة ذلك امتناع كلّ من التعاضد والتعارض ، كما أنّ الأخير ممّا يعلمه كلّ أحد ، فهو مع الأوّل من واد واحد لا يعقل الفرق بينهما أصلا.
وبجميع ما قرّرناه يتبيّن : أنّ العمدة في المقام الواجب مراعاته إنّما هو النظر في أدلّة القول الأوّل ، فإن تمّت دلالة وسندا وسلامة عن المعارض المساوي أو بالأصول المعتبرة.
فنقول : إنّ العمدة في أدلّة الباب إنّما هو الأخبار المرويّة عن أئمّتنا الأطهار الأطياب سلام الله عليهم أجمعين ، وأمّا نقل الإجماعات وإن ادّعى استفاضتها واعتمد عليها غير واحد من الأصحاب ، ولكنّ التعويل عليها عند التحقيق لا يخلو عن إشكال ، كما أنّ الاحتجاج بالضرورة الّذي يوجد في بعض العبارات غير خال عن الإشكال.