أمّا الأوّل : فلأنّ هذا الإجماع لو فرضناه محقّقا لا يفيدنا في خصوص المقام شيئا فضلا عن كونه منقولا ، لعلمنا بأنّه ليس إلّا عن الأخبار الواردة في المقام الّتي صارت من مزالّ بعض الأقدام ، فلا بدّ من النظر في تلك الأخبار وكيفيّة دلالتها وصحّة أسانيدها ، وخلوّها عن معارض أقوى ، استعلاما لصدق المجمع عليه ، لعدم ثبوت حجّيّة أصل النقل من حيث هو تعبّدا ، ولا حجّيّة أصل الاتّفاق كذلك ، وإنّما يصير حجّة لو كشف عن الواقع كشفا علميّا ، أو عن وجود دليل غير علمي للمجمعين ، بحيث لو عثرنا به ووجدنا لعملنا به ولم نبعّده ، وهذا ليس منه للعلم التفصيلي بالمستند الّذي لم يتحقّق عندنا حاله بعد ، نعم لا مضايقة في أخذها مؤيّدة لتلك الأخبار في مقام ترجيحها على معارضاتها إذا حصل الوثوق بالمنقول ، لكشفه حينئذ عمّا يستقيم به الدلالة لو فرض فيها قصور ، ويتقوّم به السند لو كان معه ضعف ، أو حزازة اخرى ممّا يوجب الوهن في أسانيد الأخبار.
وأمّا الثاني : فللقطع بأنّ انفعال ماء القليل بملاقاة النجاسة ليس حاله كحال سائر الضروريّات كوجوب الصلاة على وجه يعرفه كلّ أحد حتّى الرساتيق والبدويّين من الأمّة أو الشيعة ، كيف ولم يعهد عن أحد من هؤلاء أنّهم يتحرّزون عن ماء قريب من الكرّ بمجرّد ما لاقاه قطرة بول أو ولغة كلب أو نحوه ، بل نرى عملهم على خلافه كما لا يخفى على البصير.
غاية ما في الباب أن تقول : إنّه ينشأ عن قلّة المبالاة والمسامحة في الدين ، غير أنّه احتمال أو مع الرجحان ، ولا ريب أنّه لا يجامع الضرورة لمجامعته احتمال كون منشأه الجهل وعدم الاطّلاع بأصل الحكم ، وإن اريد بالضرورة ما هي بين الخواصّ وأهالي المعرفة بالمسائل والأحكام فمنعها أوضح ، كما يرشد إليه استنادهم عند السؤال عن وجه المسألة إلى فتوى المجتهد ، ومن خواصّ الضرورة كون الحكم معلوما لكلّ أحد بعلم ضروري لا يستند إلى قول المفتي كما لا يخفى ، بل إحالة الوجه إلى الفتوى ممّا يكشف بنفسه عن عدم العلم الضروري كما لا يخفى.
ثمّ إنّ هاهنا وجهين آخرين استند إليهما العلّامة ، مضافا إلى روايات المسألة أحدهما : ما ذكره في المنتهى : « من أنّ النجاسة امتزجت بالماء وشاعت أجزاؤها في