وثانيا : بأنّ احتمال التغيّر غير اختصاص الروايات به ، والقادح في الاستدلال هو الثاني والقائم في محلّ المقال هو الأوّل ، وأقصى ما يترتّب عليه بعد التسليم بملاحظة قاعدة ترك الاستفصال إنّما هو ثبوت عموم في موضوع الحكم ، وهو غير مناف للمقصود بعد اندراج محلّ البحث في هذا العامّ جزما ، مع عدم مخرج له قطعا.
وممّا يرد على الأخذ بهذا الاحتمال ـ بل على القول بخلاف ما هو ظاهر الأخبار ، مضافا إلى ما ذكر ـ أنّه يوجب إبطال التحديد الوارد في الأخبار الكثيرة المجمع على العمل به ، وطرح تلك الأخبار مع كثرتها وهو كما ترى.
أمّا بيان الملازمة : فلأنّ هذا التحديد لا بدّ له من فائدة تكون فارقة بين الكرّ وما دونه ، وهذه الفائدة إمّا عبارة عن النجاسة بالتغيّر وعدمها فالكرّ لا ينجّس به بخلاف ما دونه ، أو عن الانفعال بمجرّد الملاقاة وعدمه.
والأوّل : باطل بالإجماع وغيره ممّا تقدّم في محلّه من الدلالة على أنّ التغيّر ممّا يوجب نجاسة الماء ولو كرّا أو أكرارا.
والثاني : ممّا أبطله أهل هذا القول فلا يبقى إلّا أنّ هذا التحديد قد ورد لغوا ، لا يعقل له فائدة اخرى سوى ما ذكرناه.
وممّا يدخل في عداد مناطيق أخبار الباب : ما رواه في باب آداب الأحداث من التهذيب ـ في الصحيح ـ عن إسماعيل بن جابر قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام الماء الّذي لا ينجّسه شيء؟ قال : « ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته » (١).
وما رواه فيه في الباب المذكور ـ في الصحيح ـ عن إسماعيل بن جابر قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الماء الّذي لا ينجّسه شيء؟ قال : « كرّ » ، الحديث (٢).
وما رواه في زيادات التهذيب ، وباب القليل الّذي يحصل فيه النجاسة من الاستبصار ـ في الصحيح ـ وفي الكافي أيضا في الباب المذكور ، بطريق فيه سهل بن زياد عن صفوان الجمّال قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الحياض الّتي ما بين مكّة إلى المدينة تردها السباع ، وتلغ فيها الكلاب ، وتشرب منها الحمير ، ويغتسل منها الجنب ، أيتوضّأ منها؟ فقال عليهالسلام : وكم قدر الماء؟ قلت : إلى نصف الساق وإلى الركبة ، فقال عليهالسلام :
__________________
(١ و ٢) الوسائل ١ : ١٦٥ ب ١٠ من أبواب الماء المطلق ح ١ و ٤ ـ التهذيب ١ : ٤١ / ١١٤ و ١١٥.