ممّا لا ضير فيه ، بل كان واجبا جدّا.
ولا ندري أنّ من ينكر دلالة أوامر المقام ونواهيه على النجاسة ، أو يأخذ فيها بالتأويل ـ حسبما يأتي إليه الإشارة ـ كيف يصنع في إثبات نجاسة أنواع النجاسات ، وبتنجّس ما يلاقيها من الثياب وغيرها ، فإن عمّم في إنكاره بحيث يشمل المقامين فقد سدّ على نفسه باب إثبات الحكمين ، وإن خصّه بالمقام كان مكابرة محضة ، حيث إنّه فرّق بين أمرين لا فرق بينهما في نظر العرف والشرع أصلا ورأسا.
ولو قيل : بأنّ الفارق هو الإجماع ، يرد عليه : أنّ مثله موجود في المقام ـ على ما حكاه جماعة ـ بناء على أنّ مخالفة العماني لمعلوميّة نسبه غير قادحة ، من غير فرق فيه بين طريقة قدماء أصحابنا أو متأخّريهم.
وبالجملة : إنكار ما ذكرناه من الدلالة خارج عن قانون الفقاهة ، وفهم الأحكام الشرعيّة من الأدلّة اللفظيّة بطريق الاستنباط كما لا يخفى.
وما يتوهّم من أنّه لو صحّت الدلالة المدّعاة لكانت شاملة للكرّ وما زاد عليه ، مع أنّكم لا تقولون بها فيه جزما.
ممّا يدفعه أوّلا : المنع عن العموم المذكور ، كيف وأنّ غالب روايات الباب واردة في الأواني المتّخذة للشرب والتوضّي والاغتسال ، ولا ريب أنّ مجرى العادات في أمثال هذه الأواني ما لا يسع كرّا ولا نصفه ولا ربعه ولا ثمنه ولا عشره.
وثانيا : المنع عن عموم الحكم بعد ما فرضنا المورد بنفسه عامّا ، إذ كلّ مطلق قابل للتقييد ، ولا ريب أنّ الأخبار الفارقة بين الكرّ وغيره مقيّدات ، فتحمل مطلقات المقام على تلك المقيّدات.
واحتمال ابتناء أخبار الباب على صورة التغيّر ـ كما سبق إلى بعض الأوهام ـ مندفع.
أوّلا : بمنع جريان أصل الاحتمال ، للقطع بعدم كون النجاسات الواردة في أسئلة الروايات موجبة للتغيّر عادة كقذارة اليد ، ولا سيّما إذا كانت من منيّ ، والدجاجة الواطئة للعذرة ـ وأشباهها ـ الداخلة في الماء ، والدم الّذي يكون في منقار الطيور وما أشبه ذلك ، وكذلك أوقية دم واقعة في جرّة تسع مائة رطل من ماء ، وإن كان لاحتمال التغيّر بالقياس إليه نوع قوّة خصوصا في بعض أفراد الدم ، كما لا يخفى.