بين مكّة والمدينة ، قال : « ولمّا كانت الحياض بين الحرمين الشريفين معهودة معروفة في ذلك الزمان ، اقتصر عليهالسلام على السؤال عن مقدار الماء في عمقها ، ولم يسأل عن الطول والعرض ، وإنّما سأل عن ذلك ليعلم نسبة الماء إلى تلك النجاسات المذكورة ، حتّى يتبيّن انفعاله منها وعدمه ، فإنّ نسبة مقدار من النجاسة إلى مقدار من الماء في التأثير والتغيير كنسبة ضعفه إلى ضعفه مثلا وعلى هذا القياس » (١).
وعنه أيضا : أنّه أيّد هذا المعنى الّذي أوّل الأخبار إليه باختلاف تلك الأخبار ، قائلا : « بأنّه يؤيّد ما قلناه ـ من أنّه تخمين ومقايسة بين قدري الماء والنجاسة ـ أنّه لو كان أمرا مضبوطا وحدّا محدودا لم يقع الاختلاف الشديد في تقديره لا مساحة ولا وزنا ، وقد وقع الاختلاف فيهما معا ، والوجوب لا يقبل الدرجات بخلاف الاستحباب ، وقد اعترف جماعة منهم بمثل ذلك في ماء البئر » (٢) انتهى.
وفيه : إن أراد بما أفاده من الحمل دعوى الملازمة بين الكرّيّة وعدم قبول التغيير فهو ممّا يشهد بكذبه الضرورة والعيان ، فكم من كرّ بل كرور يقبل التغيّر ، فلذا ترى كلماتهم مشحونة في بحث التغيّر بالتصريح بعدم الفرق فيه بين الكرّ وغيره ، وإن أراد به دعوى الملازمة بينها وبين مقدار معيّن من النجاسة الواقعة في الماء ، ككون وقوعها فيه ممّا جرت العادة عليه.
ففيه : مع أنّه ممّا لم يستقرّ له عادة ، بل لم يحصل له حدّ عادي ، أنّه يوجب أوّلا ارتكاب التجوّز في لفظ « ينجّسه » الوارد في تلك الأخبار بحمله على « يغيّره » ، والتقييد ثانيا بحمل « شيء » على ما يعتاد وقوعه من النجاسات ، مع لزوم تقييد آخر بحمله على ما كان صالحا للتغيير ليخرج عنه مباشرة الكافر والكلب ونحوهما ممّا لا يوجب تغيّر أصلا ، وأيّ دليل على هذه كلّها.
ولو سلّم أنّ الداعي إلى ذلك إرادة الجمع بينها وبين ما دلّ بإطلاقه على عدم الانفعال ، فتطرّق التأويل إليها ليس بأولى من تطرّقه إلى تلك المطلقات بحملها في اقتضاء عدم الانفعال على الكرّ ، مع أنّه لو اعتبر المفهوم مع هذا التأويل كان مفاده أنّ ما دون الكرّ يلازم التغيير وهو خلاف الحسّ ، وإلّا لزم خلاف أصل آخر وهو إلغاء المفهوم.
__________________
(١ و ٢) الوافي ٦ : ٣١ و ٣٦.