الوصف العنواني الّذي يعبّر عنه بـ « النجاسة » ، من غير مدخليّة في ذلك لما فيها من الخصوصيّة الراجعة إلى ذاتيّاتها أو عرضيّاتها من غير جهة هذا الوصف ، هذا.
الجهة الثانية : ربّما يحكى في المسألة عدم تنجيس المتنجّس ، الّذي لازمه أن لا ينفعل القليل به ، ويظهر من المحقّق الخوانساري الميل إليه (١) ، وإن كان جعل الانفعال أولى بعد ما نسبه إلى ظاهر كلام الأصحاب ، ويظهر من شيخنا في الجواهر (٢) الفرق بين متنجّس لا يفيد الماء طهره فالانفعال ، ومتنجّس يفيد الماء طهره فعدم الانفعال ، ويظهر ذلك أيضا من محكيّ المصابيح (٣) فيما لو ورد عليه الماء مفيدا طهره ، ومنشؤه على ما صرّح به في الجواهر (٤)طهارة الغسالة ـ على ما صار إليه ـ جمعا بين القاعدتين : انفعال القليل بالملاقاة ، وطهارة الغسالة.
وصحّة هذا التفصيل ـ على أحد الوجهين ـ وسقمه مبنيّتان على النظر في حكم الغسالة ، والكلام مع المدّعين لطهارتها وستعرفه في محلّه ، وأمّا منع الانفعال بالمتنجّس مطلقا فلم نقف له على وجه ، ولعلّه غفلة عن التدبّر في روايات الباب ، أو مبنيّ على توهّم انحصار أدلّة الانفعال في مفهوم قوله : « إذا كان الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيء » (٥) مع منع العموم فيه بحيث يشمل المتنجّس أيضا ، وكيف كان فهو في غاية الضعف.
أمّا أوّلا : فللمفهوم المشار إليه ، فإنّه عامّ بالقياس إلى جميع مصاديق « شيء » ومنها المتنجّس ، غاية الأمر خروج ما كان منها طاهرا بالتخصيص أو التخصّص ، بدعوى : عدم صلاحيّة الطاهر مشمولا للمنطوق ، نظرا إلى كون بيان الحكم بالنسبة إليه من باب توضيح الواضحات وهو سفه ، فليس من شأن الحكيم بل ويقبح ذلك عليه ، وقضيّة ذلك خروجه عن المفهوم من أوّل الأمر من دون حاجة له إلى المخرج.
ولكن فيه : أنّ المراد بالخروج في مواضع التخصيص ليس هو الخروج الحقيقي لاستحالة البداء من الحكيم العالم ، بل المراد به انكشاف خروجه بملاحظة الخارج الّذي يعبّر عنه بالمخصّص ، ولا ريب أنّ ذلك الخارج الّذي يوجب الانكشاف كما أنّه
__________________
(١) مشارق الشموس : ١٩٠.
(٢ و ٤) جواهر الكلام ١ : ٢٣٨.
(٣) مصابيح الأحكام ـ الطهارة ـ (مخطوط) الورقة : ٤٧.
(٥) الوسائل ١ : ١٥٨ ب ٩ من أبواب الماء المطلق ح ٢ ـ التهذيب ١ : ٤٠ / ١٠٩.