والعجب منه أنّه ذكر ذلك مع تمسّكه على ما صار إليه بصحيحتي محمّد بن مسلم (١) ، ومعاوية بن عمّار « إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء » (٢) وكأنّه مبنيّ على منع العموم في المفهوم ، كما صار إليه جماعة منهم الكاشاني فيما تقدّم عنه من جملة اعتراضاته على الأخبار الواردة بهذا المضمون ، وقد أشرنا إجمالا إلى ما يدفعه.
ونقول هنا أيضا : أنّ المفهوم على ما يساعد عليه العرف وطريقة أهل اللسان ، يتبع المنطوق في عمومه وخصوصه ، وما توهّم : من منع العموم في المفهوم مع كون المنطوق مشتملا على النكرة في سياق النفي ، إنّما يتّجه لو فسّر مفاد منطوق قوله : « إذا كان الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيء » بأنّه لا ينجّس بجميع أفراد النجس ، ليكون محصّله السلب الجزئيّ المستلزم لكون المفهوم إيجابا جزئيّا ، وهو كما ترى بعيد عن هذه العبارة غاية البعد ، بل لا يكاد ينساق منها عرفا ، بل معناه : أنّه لا ينجّس بشيء من أفراد النجس ، فيكون مفهومه : أنّه ينجّس بكلّ فرد منه ، ومع الغضّ عن ذلك يكفينا في إثبات العموم عموم التعليل في قوله : « رجس نجس » الوارد في الكلب (٣) حسبما قرّرناه.
مضافا إلى إطلاق « القذر » الوارد في كثير من أخبار الباب ، مع كفاية ملاحظة مجموع الروايات المتضمّن كلّ واحد منها لنوع أو نوعين أو أنواع من النجاسات ، حتّى أنّه لا يشذّ منها شيء ظاهرا ، مع الإجماع المركّب أيضا ، كما في كلام غير واحد من الفحول.
مع أنّ المسائل الفرعيّة الّتي كلّها ضوابط كلّيّة وقواعد مطّردة يقتبس أغلبها ـ من الطهارات إلى الديات ـ من موارد جزئيّة من جزئيّات موضوعاتها ، من غير أن يرد فيها لفظ عامّ شامل لجميع الجزئيّات ، وعليه طريقة الفقهاء قديما وحديثا ، ولذلك تراهم لا يزالون يستدلّون على الأحكام الكلّيّة بما ورد من الأخبار في بعض الجزئيّات ، وكأنّ ذلك من جهة أنّه علموا من طريقة الشارع أنّه يعطي الضوابط الكلّيّة بخطابات جزئيّة وبيانات شخصيّة.
مع إمكان دعوى تنقيح المناط في خصوص المقام ـ لو سلّم عدم ورود جميع أنواع النجاسات في الأخبار الواردة فيه ـ بتقريب : أنّ القطع يحصل بأنّ الانفعال بالنسبة إلى الموارد الخاصّة الواردة في تلك الأخبار ، ليس مستند إلّا إلى ما في تلك الموارد من
__________________
(١ و ٢) الوسائل ١ : ١٥٨ ب ٩ من أبواب الماء المطلق ح ١ و ٢ ـ التهذيب ١ : ٣٩ / ١٠٧ و ١٠٩.
(٣) الوسائل ١ : ٢٢٦ ب ١ من أبواب الأسآر ح ٤ ـ التهذيب ١ : ٢٢٥ / ٦٤٦.