الملاصق لهما في نظر الحسّ ، وإلّا لزمهم الحكم بالطهارة في غالب أفراد القليل ومعظم أحواله ، إذ الغالب من الملاقي ولو كان ساكنا وتساوى سطوحه اختصاص الملاقاة بما تحته إذا كان هو الوارد على النجس ، فيكون سائر الأجزاء المتواصلة واقعة في طرف الفوق ، فلو أنّ مجرّد هذه الفوقيّة توجب العصمة لقضى بما ذكرناه ، وهو باطل جزما.
وثالثها : قد عرفت في بحث الكرّ أنّ العلوّ قد يكون على جهة التسنيم وقد يكون على جهة الانحدار ، وتحتهما أفراد مختلفة في الظهور والخفاء ، وأخفى أفراد العالي ما لو كان من المنحدر ما توقّف سيلان الماء على الأرض على ارتفاع خفيّ لها بحيث يدقّ إدراكه على الحسّ ، وعبارات الأصحاب وإن كانت مطلقة في الحكم على الأعلى بعدم انفعاله بالأسفل ، غير أنّ انصراف ذلك الإطلاق إلى المفروض من المنحدر وما يشبهه محلّ إشكال ، كما أنّ المتيقّن من مورد الإجماع وصريح فتاوي الأصحاب ما لو كان عاليا على جهة التسنيم ، ودونه على وجه يعدّ من مصاديق الظاهر صورة الانحدار الّذي يكون ظاهرا في الأنظار ، وما عداهما ممّا فرض سابقا يبقى مشكوكا في حاله من حيث خروجه عن عموم قاعدة الانفعال وعدمه ، ولمّا كان دليل تلك القاعدة في عمومه ظاهر التناول لجميع أفراد المسألة الّتي منها المشكوك فيه فليحكم عليه بعدم الخروج عنها ، عملا بالظاهر السليم عمّا يصلح للمعارضة ، لعدم تبيّن التخصيص بالقياس إليه ، غايته بقاء الاحتمال فيرتفع بالأصل ، وممّن تنبّه على ما قرّرناه شيخنا الاستاد مدّ ظلّه في شرحه على الشرائع بقوله : « والمتيقّن من الإجماع صورة التسنيم وما يشبهه من التصريح ، وللتأمّل في غير ذلك مجال ، والتمسّك بالعموم أوضح ، وفاقا لظاهر كشف الغطاء (١) لصدق وحدة الماء ، فيدخل في عموم « ينجّسه » ، ولذا لو كان الماء على هذه الهيئة كرّا لم ينفعل شيء منه بالملاقاة » (٢) انتهى.
وممّن صرّح بذلك أيضا الفاضل الكاظميني في شرحه للدروس ـ في عبارة محكيّة منه ـ حيث إنّه عند شرح قول المصنّف : « ولو كان الجاري لا عن مادّة » الخ ، قال : « بقى شيء ، وهو أنّ إطلاق عدم النجاسة فيما فوقها غير جيّد ، إذ على تقدير تساوي السطوح وخصوصا مع كون حركة الماء ضعيفة ينجّس ما فوق النجاسة إذا
__________________
(١) كشف الغطاء : ١٨٧.
(٢) كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري قدسسره ـ ١ : ١١٦.