للحكمة ولا موجبا لمحذور ، ولذا تراهم في مثل قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) (١) لا يجوّزون أكل موضع عضّ الكلب ولو مع عدم التطهير ، مع أنّ الاطلاق الأحوالي قائم فيه جزما.
فإذا كانت الحيثيّة المذكورة خارجة عن مفاد الأخبار ، وكانت هي بنفسها مقتضية للمنع لم يتعدّ إليها حكم الطهارة ، لا لأنّه تقييد في ماء الاستنجاء ، أو تخصيص في الأخبار الواردة فيه حتّى يطالب بدليله ، أو يرجع التعارض فيما بينها وبين أخبار التغيّر إلى تعارض الخاصّ مع العامّ ، أو تعارض العامّين من وجه ، بل لأنّه أخذ بالمنع الثابت لحيثيّة التغيّر ، وهو عنوان آخر لا مدخل له لعنوان الاستنجاء ، مجامع له من باب المقارنات ، فعند التحقيق لا معارضة بينهما لاختلاف موضوعيهما ، والعمل في الحقيقة بالدليلين معا ، لا أنّه أخذ بأحدهما وطرح للآخر ؛ لعدم تنافيهما ، فنحكم بكلّ من الحيثين المجامعتين بحكمها الخاصّ له.
ونقول : إنّ حيثيّة « الاستنجاء » مقتضية للطهارة ، وحيثيّة « التغيّر » مقتضية للنجاسة ، غير أنّ هاتين الحيثيّتين لاجتماعهما في مورد واحد شخصي ممّا لا يمكن ترتيب الآثار على حكمهما معا في مقام العمل ، فلا بدّ من رفع اليد عن أحدهما ترتيبا للآثار على الآخر ، لإمكانه حينئذ على قياس ما هو الحال في الواجبين المتزاحمين ، حيث يرفع اليد عن أحدهما لعدم إمكان امتثالهما معا ، من دون أن يقضي بتخصيص دليله كما قرّر في محلّه ، غاية الفرق بينهما أنّ البناء فيهما على التخيير لإمكان الامتثال كذلك ، ولئلّا يلزم الترجيح بلا مرجّح ، بخلاف المقام حيث إنّ المتعيّن فيه إنّما هو العمل على حيثيّة « التغيّر » لتقدّم الجهة المانعة في جميع الموارد على جهة الإذن ، على ما قرّرناه في محلّه.
ولك أن تسلك هنا مسلكا آخر ، بأن تقول : إنّ الأخبار الواردة عن أهل العصمة فيما يرتبط بالمقام أو ما هو من أفراده ، الحاكمة بعضها بالطهارة وبعضها بالنجاسة ، الّتي يلاحظ النسبة بينها وبين أخبار المقام ، على ثلاثة أصناف :
أحدها : ما هو معنون بعنوان التغيّر.
وثانيها : ما هو معنون بعنوان الكرّيّة.
__________________
(١) المائدة : ٤.