استعمال هذا الماء في مقام التطهير وتحريمه ، لأنّه بأس على المكلّف وشدّة في حقّه وموجب لتوجّه العذاب إليه ، وهو ليس من مسألة أصل التطهير الّذي هو المبحوث عنه ؛ إذ ليس المراد به مجرّد استعمال الماء معنونا بهذا العنوان ليكون نفي تحريمه مجديا في حال المكلّف ، بل المراد به استعمال بهذا العنوان مستتبع لترتّب الأثر عليه ، من زوال الخبث وارتفاع الحدث ، وهو ليس بلازم من نفي التحريم ؛ لأنّه حكم وضعي لا ملازمة بينه هنا وبين نفي التحريم ، ومن هنا نبّهناك سابقا على أنّ أهل القول بالطهارة ـ قبالا للقول بالعفو ـ إن كان كلامهم في الجهة الثانية الّتي فرضناها للعفو بالمعنى الثاني المتقدّم ، ليس لهم التمسّك في إثبات الطهارة المقابلة للعفو بهذا المعنى بالأخبار الواردة في ماء الاستنجاء ؛ إذ لا تعرّض فيها لبيان أنّ الثابت لهذا الماء هل هو جميع أحكام الطهارة ولوازمها أو بعضها؟ على أنّ مرادنا بتلك الأحكام ما يعمّ الوضعيّة والتكليفيّة.
ويمكن دفعه : بأنّه لو لا كفاية هذا الماء في إفادة التطهير الشرعي ، لكان على المكلّف تحمّل الكلفة في تحصيل ماء آخر مكانه لترتّب هذه الفائدة ، ولو فرضناه متيسّرا مثله بل حاضرا في المجلس ؛ ضرورة اقتضاء التعيين من الكلفة والضيق المعنوي ما لا يقتضيه التخيير ، وهو أيضا نحو من البأس ، والمفروض أنّه منفيّ بجميع أنحائه.
نعم ، ربّما يخدش في ذلك ما تقدّم في روايات القول بعدم انفعال القليل من رواية محمّد بن اسماعيل بن بزيع ، قال : كتبت إلى من يسأله عن الغدير ، تجتمع فيه ماء السماء ، ويستقي فيه من بئر ، فيستنجي فيه الإنسان من بول ، أو يغتسل فيه الجنب ، ما حدّه الّذي لا يجوز؟ قال : « فكتب لا تتوضّأ من مثل هذا إلّا من ضرورة إليه » (١) ، فإنّ التوضّؤ إمّا أن يكون مرادا به معناه الظاهر أو الاستنجاء ، نظرا إلى إطلاقه في الأخبار على هذا المعنى ، فعلى الأوّل تدلّ الرواية على عدم جواز رفع الحدث بماء الاستنجاء ، وعلى الثاني تدلّ على عدم جواز إزالة الخبث به.
ولكنّ الأمر في دفعه هيّن من حيث إنّها ـ مع كونها مضمرة ، قادحة في السند من وجهين ، كما تقدّم إليهما الإشارة ـ ممّا لم يظهر من الأصحاب عامل بها ، مستند إليها في المقام بالخصوص ولا سيّما مع ما تقتضيه من التفصيل في المنع بين الضرورة وعدمها ،
__________________
(١) الوسائل ١ : ١٦٣ ب ٩ من أبواب الماء المطلق ح ١٥ ـ التهذيب ١ : ١٥٠ / ٤٢٧.