لمنع المبالغة بالقياس إلى المعنى اللازم.
فما ذكره الشيخ في دفع هذا الوجه من : أنّه لا خلاف بين أهل النحو أنّ اسم « فعول » موضوع للمبالغة وتكرّر الصفة ، ألا ترى أنّهم يقولون : « فلان ضارب » ، ثمّ يقولون : « ضروب » إذا تكرّر منه ذلك وكثر ، وإذا كان كون الماء طاهرا ليس ممّا يتكرّر ويتزايد ، فينبغي أن يعتبر في إطلاق « الطهور » عليه غير ذلك ، وليس بعد ذلك إلّا أنّه مطهّر ، ولو حملناه على ما حملنا عليه لفظة الفاعل لم تكن فيه زيادة فائدة (١) ، ليس ممّا يتوجّه إليه بل هو بظاهره أجنبيّ منه.
نعم ، يتوجّه إلى الوجه الأوّل الّذي سمعته عن الرياض (٢) والحدائق (٣) ، وكلام الشيخ رحمهالله خلو عن الإشارة إليه.
نعم ، إنّما يتوجّه إليه ما قرّره من العلاوة بقوله : « إنّ ما قاله السائل : إنّ كلّ اسم للفاعل إذا لم يكن متعدّيا فالفعول منه غير متعدّ فغلط أيضا ، لأنّا وجدنا كثيرا ما يعتبرون في أسماء المبالغة التعدية ، وإن كان اسم الفاعل منه غير متعدّ ، ألا ترى إلى قول الشاعر :
حتّى شآها كليل موهنا عمل |
|
باتت طرابا وبات الليل لم ينم (٤) |
فعدّى « كليل » إلى « موهنا » لما كان موضوعا للمبالغة ، وإن كان اسم الفاعل منه غير متعدّ » (٥) انتهى.
ثمّ ، إنّ بعد الغضّ عمّا ذكرناه ، فالّذي يقتضيه التدبّر ويساعد عليه النظر ، ورود كلّ من الوجهين على خلاف التحقيق ؛ لا لما قرّره في المدارك (٦) ـ كما عن صاحب المعالم (٧) أيضا ـ في دفع الوجه الأوّل ، من أنّ ذلك إثبات للّغة بالاستدلال ، وترجيح لها بالعقل ، فإنّ ذلك أيضا وارد في غير محلّه ؛ لما تنبّه عليه في الحدائق (٨) ، وأشار إليه
__________________
(١) التهذيب ١ : ٢١٤ ـ ٢١٥.
(٢) رياض المسائل ١ : ١٣١.
(٣ و ٨) الحدائق الناضرة ١ : ١٧٦.
(٤) البيت لساعدة بن جؤيّة كما في خزانة الأدب ٨ : ١٥٥.
(٥) التهذيب ١ : ٢١٥.
(٦) مدارك الأحكام ١ : ٢٧ حيث قال ـ بعد أن أورد كلام الشيخ المتقدّم ـ : « لتوجّه المنع إلى ذلك ، وعدم ثبوت الوضع بالاستدلال كما لا يخفى ».
(٧) حكى عنه في الحدائق الناضرة ١ : ١٧٦ ـ فقه المعالم ١ : ١٢٣.