أقول : غسل الثوب في الإجّانة له ثلاث صور :
إحداها : أن يؤخذ الثوب على اليد والاجّانة تحتها ، ليطرح فيها ما ينفصل عن الثوب من الغسالة وقطرات الماء الملاقي له حال الغسل ، وهذا ممّا لا إشكال لأحد في أنّه يفيد الثوب طهارة ، إذ لا فرق بينه وبين الغسل في غير الإجّانة ، إلّا أنّ المنفصل فيه يطرح في الإجّانة وفي غيره في الأرض ، وهو ممّا لا يعقل كونه فارقا بينهما في الحكم ، بل هذه الصورة خارجة عن فرض المنتهى ، كما لا يخفى على المتأمّل.
وثانيتها : أن يصبّ الماء في الإجّانة ، ثمّ وضع عليه الثوب ليغسل به فيها ، وهو أيضا خارج عن فرض المنتهى ، ويتبيّن حكمه.
وثالثها : ما هو مفروض المنتهى من انعكاس الصورة الثانية ، وحينئذ يشكل الحال في تنزيله الرواية عليها ، مع أنّها بإطلاقها تشمل الصورتين معا ، بل الصور الثلاث جميعا ، وإن كان بعيدا بالقياس إلى الصورة الاولى ، وكأنّه مبنيّ على الأخذ بالغالب. فتأمّل.
وعن الذخيرة : « أنّه قد يستشكل حكمه بطهارة الثوب مع نجاسة الماء المجتمع تحته في الإجّانة ، سيّما على مذهبه المتقدّم من عدم نجاسة الغسالة إلّا بعد الانفصال عن المحلّ المغسول ، ومن المعلوم أنّ الماء بعد انفصاله عن الثوب المغسول يلاقيه في الاناء ، واللازم ممّا ذكر تنجّسه به » (١).
وعنه (٢) ـ كما في الحدائق ـ : « أنّه وقد يتكلّف في دفع الإيراد المذكور بأنّ المراد من الانفصال خروج الغسالة عن الثوب أو الإناء المغسول فيه ، تنزيلا للاتّصال الحاصل باعتبار الإناء منزلة ما يكون في نفس المغسول ، للحديث » (٣).
ثمّ عنه الاعتراض عليه : « بأنّه لا يخفى بأنّ بناء هذا الخبر على طهارة الغسالة أولى من ارتكاب هذا التكلّف ، فإنّ ذلك إنّما يصحّ إذا ثبت دليل واضح على نجاسة الغسالة ، وقد عرفت انتفاؤه » (٤) مع أنّ ظاهر الرواية يدلّ على الطهارة.
واستجوده شيخنا في الجواهر ، قائلا : « بأنّه في غاية الجودة » (٥) ودفعه في الحدائق « أوّلا : بأنّ هذا التكلّف إنّما ارتكب لدفع المنافاة بين كلامي العلّامة رحمهالله من حكمه
__________________
(١ و ٢) ذخيرة المعاد : ١٤٣ مع تفاوت يسير في العبارة.
(٣) الحدائق الناضرة ١ : ٤٩٦.
(٤) ذخيرة المعاد : ١٤٣.
(٥) جواهر الكلام ١ : ٦٣٨.