حدث أصغر أو أكبر ، والثاني إمّا في الاستنجاء أو غيره ، والثالث هو غسالة الحمّام.
فالمستعمل في الحدث الأصغر ما حكي فيه عن العامّة في منتهى العلّامة (١) اختلافا عظيما وأقوالا متشتّتة ، القول : بأنّه طاهر مطهّر ـ كما عليه أصحابنا ـ وهو لأكثرهم ، وبأنّه : طاهر غير مطهّر ، وهو لمحمّد بن [الحسين] (٢) ، وحكي عن الشافعي في الجديد ، وعن المالك أيضا ، وغيره.
وبأنّه : نجس نجاسة مغلّظة ، كالدم والبول والخمر ، حتّى إنّه إذا أصاب الثوب أكثر من درهم منع أداء الصلاة ، وهو لأبي حنيفة ، وبأنّه : نجس نجاسة ضعيفة ، حتّى إنّه إذا أصاب الثوب أكثر من درهم لم يمنع الصلاة ، وهي لأبي يوسف.
وبأنّه : إن كان المتوضّئ محدثا ، فهو كما قال محمّد ، وإن كان غير محدث فهو طاهر وطهور ، وهو لزفر ، وقيل : إنّه قول للشافعي ، وعنه أيضا أنّه توقّف فيه.
وعن أبي حنيفة الاحتجاج على ما اختاره ، ومثله أبو يوسف « بأنّ هذا الفعل يسمّى طهارة ، وذلك يستدعي نجاسة المحلّ ، فشارك الّذي ازيلت به النجاسة » (٣). وكأنّه اشتباه في القياس ، وإلّا فالحكم بالقياس إلى أنفسهم لعلّه في محلّه ، فإنّ المستعمل في وضوئهم بملاحظة تلك النسبة لا يقصر بحسب الحقيقة عن المستعمل في إزالة البول ، وهذا القياس هو اللائق بالمقام ، لكمال المناسبة بين المقيس والمقيس عليه دون ما ذكر ، لكمال وضوح الفرق بينهما على هذا البيان ، إذ إطلاق الطهارة لا يقتضي مقابلة النجاسة على التعيين ، بل مقابلة أحد الأمرين منها ومن الحدث ، وهما في الشريعة موضوعان متغايران لا يدخل أحدهما في مسمّى الآخر ولا في حكمه ، ولذا لا يسمّى المحدث نجسا ، ولا أنّ ملاقاة المحدث توجب نجاسة الملاقي ، والتفكيك بين أنحاء الملاقاة غير معقول في النجاسات ، فلو أنّ ملاقاة الماء له حال التوضّي تؤثّر نجاسة الماء فملاقاته له في سائر الأحوال أولى بذلك ، والتسمية بالطهارة في الأوّل دون الثاني لا تصلح فارقة بينهما في الحكم بعد ما كان سبب الحكم هو الاستعمال والملاقاة.
فالحقّ : أنّه طاهر في نفسه مطهّر عن الحدث والخبث بلا خلاف يعرف بين أصحابنا ، وعليه نقل الإجماعات في حدّ الاستفاضة ، منها : ما في المنتهى (٤) ، وما عن المعتبر (٥).
__________________
(١ و ٤) منتهى المطلب ١ : ١٢٨.
(٢) كما في الناصريّات (سلسلة الينابيع الفقهيّة ١ : ١٣٨).
(٣) منتهى المطلب ١ : ١٣٢.
(٥) المعتبر : ٢١.