في كتابيه التهذيب (١) والاستبصار (٢) ـ بعد ما أورد فيهما الرواية الآتية عن عليّ بن جعفر المؤذنة بالجواز ـ أخذ بحملها على الضرورة المستفادة من سياقها أيضا ـ على ما قيل ـ ولكن كون ذلك مذهبا له محلّ إشكال ، حيث إنّ التأويل لدفع التنافي لا يستلزم اختياره مذهبا ـ كما تنبّه عليه في الحدائق (٣) ـ ونظيره كثير الوقوع في كلامه في الكتابين كما لا يخفى على المتتبّع.
وبالجملة : فحجّة القول الأوّل ـ من المحصّل ، والمحكيّ ، والمزيّف ، والصحيح ـ وجوه :
أوّلها : الإجماع المحكيّ عن الناصريّات (٤) ، المعتضدة بالشهرة المتأخّرة ، المحكيّة في كلام جماعة ، وهو لمن يراه حجّة بالخصوص في محلّه ، إن لم يكن موهونا بمصير جماعة من أعاظم القدماء إلى خلافه.
وثانيها : أصالة بقاء المطهّريّة الثابتة قبل الاستعمال ، ولا يعارضها أصالة بقاء الحدث الثاني على ما قرّر في محلّه ، كما أنّه بالاستعمال لا يخرج عن موضوعه الأوّل ، وهو أيضا في محلّه إن لم يكن في مقابله ما يرفع موضوعه.
وثالثها : أصالة بقاء الأمر بالغسل الثابت قبل انحصار الماء في المفروض ، وهو فاسد لرجوعه بالقياس إلى إثبات المطهّريّة لهذا الماء إلى الأصل المثبت ، ضرورة أنّ المطهّريّة له ليست من الأحكام الثابتة للمستصحب في الحالة السابقة حتّى يحكم ببقائها في الحالة اللاحقة ، لكونها مشكوكا فيها في كلتا الحالتين كما لا يخفى ، وبذلك يستغني عن تجشّم معارضة ذلك بأصالة بقاء الحدث.
ورابعها : إطلاق الأمر بالغسل ، لصدق امتثاله باستعمال الماء المفروض ، وحاصله : أنّ استعمال هذا الماء في رفع الحدث ونحوه غسل ، وكلّ غسل موجب لامتثال الأمر به ومقتض للإجزاء ، أمّا الصغرى : فواضحة ، وأمّا الكبرى : فلإطلاق الأوامر الواردة بالغسل كتابا وسنّة ، والمناقشة فيه : بخروج الماء المفروض بسبب الاستعمال عن كونه مطهّرا ، مصادرة لا يعبأ بها.
__________________
(١) التهذيب ١ : ٤١٧ ح ١٣١٨ ـ واكتفى فيه بنقل الرواية فقط من دون حملها على الضرورة.
(٢) الاستبصار ١ : ٢٨ ب ١٤ ذيل حديث ٢.
(٣) الحدائق الناضرة ١ : ٤٤٠.
(٤) الناصريّات (سلسلة الينابيع الفقهيّة ١ : ١٣٩).