جريان قاعدة الانصراف في المشتقّات ، لما قرّر فيها من كونها مأخوذة من المبادئ المجرّدة عن اللام والتنوين ، الموضوعة للماهيّات لا بشرط شيء ، فيجب أن تعتبر المشتقّات أيضا على هذا الوجه.
لكن يدفعه : أنّ كون اشتقاقها باعتبار الوضع اللغوي من هذا الباب لا ينافي طروّ الانصراف لها في لحاظ العرف والإطلاق ، لما طرأ أفراد مباديها من الاختلاف في الغلبة والندرة.
فالإنصاف : أنّ الانصراف من الجهة المذكورة ممّا لا مجال إلى إنكاره ، إذ المتبادر من قول القائل : « غسلت واغتسلت ، واغتسل » ، ونحوه إنّما هو ما يحصل بغير المستعمل في الحدث الأكبر ، وهو الفرد الشائع المتعارف الغالب في الوجود.
فما قيل في دفع الانصراف ـ بهذا المعنى ـ : من أنّه في غاية الضعف لصدق « الماء » على المفروض من جهة عدم صحّة السلب ، وصحّة التقسيم ، والتقييد به وبغيره ، وحسن الاستفهام ، وصدق الامتثال بالإتيان به إذا أمر بالإتيان بالماء ، وتبادر القدر المشترك بينه وبين غيره من إطلاق الماء ، وأنّ المخرج عن الإطلاق لا يكون إلّا وصف الاستعمال ، وهو غير صالح له وإلّا كان كلّ ماء مستعمل في طهارة من الحدث أو الخبث أو في غير طهارة ماء مضافا ، والبديهة تشهد بخلافه ـ ليس في محلّه ، لابتنائه أوّلا : على الغفلة عن فهم المقصود بالانصراف هنا ، وثانيا : على الاشتباه في فهم معنى مطلق الانصراف ، فإنّه حيثما ادّعى ممّا لا ينبغي مقابلته بشيء من الوجوه المذكورة ، كما لا يخفى والمفروض أنّه ثابت بالقياس إلى لفظي « الغسل » و « الاغتسال » وما اشتقّ منهما.
فالأولى أن يجاب عنه : بأنّ التبادر العرفي عند الإطلاق وإن كان مسلّما ، غير أنّ الّذي يظهر بملاحظة النظائر أنّ هذا التبادر نوعا ملغى في نظر الشارع ، بمعنى أنّه لم يرتّب عليه حكما ولم يعتبره على وجه يكشف عن المراد ، بل الّذي اعتبره في تعليق الأحكام على هذين اللفظين وما يشتقّ منهما إنّما هو نفس الماهيّة الصادقة على الغالب والنادر ، كما يفصح عنه الإجماع على جواز استعمال المستعمل في الوضوء في رفع الحدث ثانيا ، وعلى جواز استعمال محلّ البحث في إزالة الخبث كما يأتي التنبيه عليه ، وعلى جواز استعمال المياه الكبريتيّة والنفطيّة مطلقا وما أشبه ذلك ، مع أنّ الكلّ مشارك للمقام في الندرة وعدم الانصراف عند الإطلاق ، وستسمع نظير هذا التحقيق عن السيّد