والثالث : عدّة أخبار :
منها : ما هو العمدة منها من رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « لا بأس بأن يتوضّأ بالماء المستعمل ، وقال : الماء الّذي يغسل به الثوب ، أو يغتسل به الرجل من الجنابة ، لا يجوز أن يتوضّأ منه وأشباهه ، وأمّا الّذي يتوضّأ به الرجل ، فيغسل به وجهه ، ويده ، في شيء نظيف ، فلا بأس أن يأخذ غيره ويتوضّأ به » (١) وهذه ممّا لا ينبغي القدح في دلالتها ، نعم القدح في سندها ـ على ما في كلام أساطين علمائنا ـ كما سبق في بحث غسالة الوضوء ، فإنّه ضعيف بأحمد بن هلال إلّا في وجه غير ثابت الاعتبار عند كثير منهم ، متقدّم عن الغضائري (٢) ، وعلى ثبوت اعتباره ليس ممّا يجدي نفعا في صحّة التعويل عليها ، لكونها موهونة بمصير المعظم إلى خلافها.
وأمّا المناقشة في دلالتها تارة : بكونها محمولة على الغالب ، وهو مصاحبة الجنب للنجاسة.
واخرى : بأنّ لفظة « لا يجوز » ممّا لا يمكن حملها على الحرمة ، لاستلزامه التخصيص في قوله : « بالماء المستعمل » وتخصيص آخر في قوله : « الماء الّذي يغسل به الثوب » فلا بدّ من حملها على الكراهة ، ترجيحا للمجاز على تخصيصين ، ورجحان التخصيص على المجاز إنّما يسلّم مع الاتّحاد لا غير ، وأنت خبير بما في كلّ من الوجهين من الوهن.
أمّا الأوّل : فلأنّ غلبة مصاحبة النجاسة للجنب بما هو هو وإن كانت مسلّمة ، غير أنّ اللفظ المفرد لا بدّ وأن يعتبر ظهوره في التركيب الكلامي ، فإنّ الهيئة التركيبيّة الكلاميّة ربّما توجب انسلاخ ظهور المفردات ، وقوله : « أو يغتسل به الرجل » ظاهر بملاحظة « باء » الاستعانة في الغسل الترتيبي ، إذ لولاه لكان الأنسب التعبير بقوله ، « يغتسل فيه الرجل » كما لا يخفى ، ولا ريب أنّ الغالب في الاغتسال ترتيبا بل الدائم وقوعه إنّما هو خلوّ البدن عن النجاسة ، ولو من جهة إزالتها قبل الغسل ، فلا يبقى في لفظ « الرجل » باعتبار وصفه المقدّر ظهور فيما ذكر من مصاحبة النجاسة.
__________________
(١) الوسائل ١ : ٢١٥ ب ٩ من أبواب الماء المضاف ح ١٣ ـ التهذيب ١ : ٢٢١ / ٦٣٠.
(٢) قال العلّامة في خلاصة الأقوال : ٣٢٠ ؛ « وتوقّف ابن الغضائرى في حديثه إلّا فيما يرويه عن الحسن بن محبوب من كتاب المشيخة ، ومحمّد بن أبي عمير من نوادره الخ ».