وأمّا الثاني : فلمنع التعارض بين الأمرين ، فإنّ القرينة على تخصيص قوله : « بالماء المستعمل » موجودة في الكلام ، وهي التفصيل الّذي ذكره بعد ذلك ، فإنّه من الأوّل بمنزلة البيان ، فيكشف عن عدم كونه في لحاظ المتكلّم على إطلاقه ، أي يكشف عن كونه مقيّدا بما كان من الوضوء ، ومثله يقال في التخصيص الثاني ، فإنّ كلمة الاستعانة قرينة مرشدة ـ بالتقريب المتقدّم ـ إلى كون المراد من الماء الّذي يغسل به الثوب ما يرد على المحلّ ، ولا يكون إلّا قليلا ، ومعه يبقى ظهور نفي الجواز في المنع المتأكّد سليما عن المعارض.
ومنها : رواية حمزة بن أحمد ـ المتقدّمة في بحث غسالة الحمّام ـ عن أبي الحسن الأوّل ، المشتملة على قوله : « ولا تغتسل من البئر الّتي يجتمع منها ماء الحمّام ، فإنّه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب ، وولد الزنا ، والناصب لنا أهل البيت وهو شرّهم » (١).
والقدح فيها سندا ودلالة قد مضى ثمّة.
ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام قال : سألته عن ماء الحمّام؟ فقال : « ادخله بإزار ، ولا تغتسل من ماء آخر ، إلّا أن يكون فيه جنب ، أو يكثر أهله فلا يدري فيه جنب أم لا » (٢).
وفيه : أنّ مبنى الاستدلال بذلك ، إمّا على جعل النهي للتحريم كما هو ظاهر الصيغة المجرّدة.
ففيه أوّلا : أنّه متعذّر هنا ، ضرورة أنّ الاغتسال بماء آخر مع وجود ماء الحمّام ليس بمحرّم في نفسه.
وثانيا : أنّه غير مجد في ثبوت المنع عن الاغتسال في ماء الحمّام ، لأنّ الاستثناء من التحريم لا يقتضي إلّا نفي التحريم ، وهو أعمّ من الوجوب.
أو (٣) على جعله من باب النهي الواقع عقيب ظنّ الوجوب أو توهّمه ، ليكون الاستثناء منه مفيدا للوجوب ، لضابطة أنّ الاستثناء من النفي إثبات.
__________________
(١) الوسائل ١ : ٢١٨ ب ١١ من أبواب الماء المضاف والمستعمل ح ١ ـ التهذيب ١ : ٣٧٣ / ١١٤٣.
(٢) الوسائل ١ : ١٤٩ ب ٧ من أبواب الماء المضاف ح ٥ ـ التهذيب ١ : ٣٧٩ / ١١٧٥.
(٣) هذا عطف على قوله : « أنّ مبنى الاستدلال بذلك إمّا على جعل النهي على التحريم » الخ.