وفي تعرّض جماعة من الأصحاب لحمل الأخبار الّتي استند إليها المانعون عن التطهير بذلك الماء على صورة وجود النجاسة على الجسد إشارة إلى ذلك أيضا ، إذ لولاه خارجا عن محلّ النزاع لما كان لذلك الحمل فائدة في منع الاستدلال بها ، كما لا يخفى.
وثانيها : إطلاق عناوينهم المعبّرة عن موضوع المسألة بالمستعمل في رفع الحدث الأكبر ، يقضي بأنّ النزاع فيما يعمّ الجنابة والحيض والاستحاضة ونحوها ، بل هو صريح جملة عبائرهم ، كما في المختلف قائلا : « الماء المستعمل في الطهارة الكبرى كغسل الجنابة ، والحيض ، والاستحاضة ، والنفاس ، مع خلوّ البدن من النجاسة طاهر إجماعا ، وهل هو مطهّر أم لا؟ منع الشيخ ، والمفيد ، وابنا بابويه عن ذلك ، وقال السيّد المرتضى ، وابن إدريس أنّه مطهّر وهو الحقّ » (١).
وقريب منه ما عرفت في صدر الأمر الأوّل من عبارة المنتهى (٢) ومن هنا صحّ لصاحب المعالم ـ على ما حكي عنه ـ حمل عبارته الاخرى فيما بعد العبارة المشار إليها من قوله : « المستعمل في غسل الجنابة يجوز إزالة النجاسة به إجماعا منّا » (٣). على إرادة التمثيل دون الحصر (٤).
ولا ينافيه اختصاص الأخبار من الطرفين بالجنابة ، لجواز كون العموم مستفادا لهم من جهة تنقيح مناط ، أو إجماع مركّب أو نحو ذلك ، ولذا ترى أنّ سائر أدلّة الفريقين قد وردت على جهة العموم ، حتّى ما عرفت عن الشيخ من الوجه الثاني المتضمّن لقوله : « الإنسان مكلّف بالطهارة بالمتيقّن طهارة ، المقطوع على استباحة الصلاة باستعماله ، والمستعمل في غسل الجنابة ليس كذلك » (٥) لأنّ استباحة الصلاة باستعمال الماء أعمّ من أن يكون استعمال الماء علّة تامّة لها كما في غسل الجنابة ، أو جزء علّة كما في سائر الأغسال.
ولا ينافي ذلك إفراده الجنابة بالذكر بعد احتمال إرادة التمثيل احتمالا ظاهرا ، كما لا ينافي كلّ ذلك عبارة الصدوق : « فإن اغتسل الرجل في وهدة وخشي أن يرجع ما ينصبّ عنه إلى الماء الّذي يغتسل منه ، أخذ كفّا وصبّه أمامه ، وكفّا عن يمينه ، وكفّا عن يساره ، وكفّا عن خلفه ، واغتسل منه » (٦) ولا عبارة أبيه في رسالته إليه : « وإن اغتسلت
__________________
(١) مختلف الشيعة ١ : ٢٣٣.
(٢ و ٣) منتهى المطلب ١ : ١٣٧ و ١٣٨.
(٤) فقه المعالم ١ : ٣٣٥.
(٥) التهذيب ١ : ٢٢١.
(٦) الفقيه ١ : ١٥.