صيرورته مستعملا ، وإن كان الثاني فلا إشكال في الحكم عليه بعدم صيرورته مستعملا ، للأصل الّذي ينشأ عن الشكّ في وجود الرافع ، والّذي يظهر من الأخبار المقامة على المنع ـ على فرض تماميّة دلالتها ـ وكلام العلماء الأخيار هو الثاني ، كما لا يخفى على المتأمّل.
وثامنها : قد أشرنا سابقا إلى أنّ الحكم في كلام أهل القول بالمنع مختصّ بالقليل ، لخروج الكثير عن المتنازع فيه ، وصرّح به غير واحد ، نعم عن المفيد (١) القول بكراهة الارتماس في الماء الكثير الراكد ، ووجّهه في شرح الدروس بقوله : « والظاهر أنّ وجهه صيرورته مستعملا يكره الطهارة به » (٢) ويظهر من الحدائق (٣) احتمال كون الكراهة مرادا بها المنع ، لأنّها في كلام المتقدّمين ـ كما هو في الأخبار ـ للأعمّ من المعنى المصطلح.
وعن شيخنا البهائي في حواشي الحبل المتين (٤) ما يقضي بتوهّمه عموم النزاع ، مستدلّا بما في المختلف من الاستدلال على عدم المنع بصحيحة صفوان ، الواردة في الحياض بين مكّة والمدينة ، وصحيحة محمّد بن إسماعيل المتقدّمة في عداد أدلّة القول المختار ، وهو كما ترى ، فإنّ الاستدلال بالإطلاق في بعض الأفراد المتنازع في حكمه ، لا يقضي بكون البعض الآخر من أفراده أيضا من المتنازع فيه.
وأمّا كراهة الاغتسال فلا يعرف له وجه ، مع منافاتها مع احتمال المنع لسيرة المتشرّعة ، وعمل الفرقة المحقّة.
وصحيحة محمّد بن إسماعيل (٥) المفصّلة في الرخصة وبين الضرورة ، وغيرها الّتي قدّمنا فيها احتمال كون النهي للكراهة ، بل استظهرناه ـ لا تكفي في إثبات الكراهة ، لعدم تبيّن كون هذه الكراهة هل هي من جهة الاغتسال ، أو من جهة الاستنجاء ، أو غير ذلك؟ والمفروض أنّ السؤال وقع عن هذه الأشياء مجتمعة لا منفردة ، ومن الظاهر كفاية كون بعض من هذه الأشياء مقتضيا للكراهة في الحكم بها مطلقا حال الاجتماع ،
__________________
(١) المقنعة : ٥٤.
(٢) مشارق الشموس : ٢٥٠.
(٣) الحدائق الناضرة ١ : ٤٥٧.
(٤) الحبل المتين : ١١٥ ـ حكى عنه في الحدائق الناضرة ١ : ٤٧٥ ـ ما هذا لفظه : « استدلال العلّامة في المختلف بالحديث السابع والثامن ، يعطي أنّ الخلاف ليس في الماء المنفصل عن أعضاء الغسل فقط ، بل هو جار في الكرّ الّذي يغتسل فيه أيضا فتدبّر » انتهى.
(٥) الوسائل ١ : ١٦٣ ب ٩ من أبواب الماء المطلق ح ١٤ ـ التهذيب ١ : ٤١٧ / ١٣١٦.