ففيه : ما لا يخفى ، فإنّ الحكم إذا كان معلّقا بوصف النبع فهو ما لم يتحقّق الانقطاع موجود ، فينبغي أن يتحقّق معه الحكم ، ولا يعقل مدخليّة لانقطاعه في بعض الأزمنة في ذلك ، ولذا يقال : بأنّ القول بالانفعال مع انتفاء الشرط بالمعنى المذكور يوجب تخصيص عموم الأدلّة بمجرّد التشهّي ، ومن هنا صحّ القول بأنّ ذلك ممّا لا ينبغي نسبته إلى مثل الشهيد ، بل من هو دونه بمراتب.
وربّما يورد عليه : بأنّ الدوام بالمعنى المذكور إن اريد به ما يعمّ الزمان كلّه ، فلا ريب في بطلانه إذ لا سبيل إلى العلم به ، وإن خصّ ببعضه فهو مجرّد تحكّم ، وفيه نظر.
ومنها : أن يكون المراد به ما يحترز به عن بعض العيون أو الآبار الّتي لها نبع ولا يجري ماؤها على الأرض ، مع عدم دخولها في اسم البئر ، وإنّما يعلم النبع بأخذ شيء من الماء ، فإنّه حينئذ يأخذ بالنبع إلى أن يبلغ الحدّ الأوّل ، وهذا أضعف من سابقه ، فإنّ الحكم بعدم الانفعال إن كان مستفادا من الأصل أو الروايات غير رواية البئر المعلّلة بما سبق فلا ريب أنّهما ساكتان عن اعتبار أصل النبع فضلا عن دوامه ، وإن كان مستفادا عن الرواية المشار إليها فأقصاها الدلالة على اعتبار وجود المادّة والاتّصال بها ، وعدم تعدّي الماء لا يقدح في شيء منهما ، كما لا يخفى.
وفي الحدائق عن بعض الفقهاء المحدّثين من متأخّري المتأخّرين : أنّ النابع على وجوه :
أحدها : أن ينبع الماء حتّى يبلغ حدّا معيّنا ، ثمّ يقف ولا ينبع ثانيا إلّا بعد إخراج بعض الماء.
وثانيها : أن لا ينبع ثانيا إلّا بعد حفر جديد ، كما هو المشاهد في بعض الأراضي.
وثالثها : أن ينبع الماء ولا يقف على حدّ كما في العيون الجارية ، قال : « وشمول الأخبار المستفاد منها حكم الجاري للوجه الثاني غير واضح ، فيبقى تحت ما يدلّ على اعتبار الكرّيّة ، وكأنّ مراد شيخنا الشهيد رحمهالله ما ذكرناه » (١) انتهى.
ويرد عليه : أنّ وقوف نبعه ثانيا على حفر جديد لا يخرج النابع أوّلا عن كونه نابعا ، والحكم معلّق عليه ، إلّا أن يقال : إنّ النبع إنّما يناط به الحكم في موضع اتّصال
__________________
(١) الحدائق الناضرة ١ : ١٩٦.