وثانيا : منع بقائه على عمومه ، بعد ملاحظة خصوص ما ورد في قليل الماء المتناول للجاري أيضا.
وثالثا : منع ذلك الأصل رأسا ، بمنع الملازمة ومنع بطلان اللازم أمّا الأوّل : فلأنّ منافع العباد ملحوظة في الخلقة من باب الحكمة ، فلا يجب فيها الاطّراد. وأمّا الثاني : فلعدم انحصار جهة الانتفاع في مشروط بالطهارة ، كما هو الحال في خلقة الأعيان النجسة.
وإن اريد به استصحاب الحالة السابقة ، فهو إنّما يستقيم لو لا القاطع والرافع لموضوعه ، وفي دليل الخصم ـ على ما سيجيء من عموم قاعدة الانفعال ولو استندت إلى المفهوم ـ كفاية في ذلك ؛ فلا بدّ في دفعه من قاطع آخر حاكم عليه ، والأصل لا يصلح له ، وبذلك يظهر عدم صحّة الاستناد إليه لو اريد به أصالة البراءة ، كما اعتمد عليها المحقّق البهبهاني في حاشية المدارك ، تعليلا : « بأنّ النجاسة تكليف بالتجنّب » (١).
وثانيها : ما حكى الاحتجاج به عن المحقّق (٢) ، والعلّامة (٣) ، من أنّ النجاسة لا تستقرّ مع الجريان.
وفيه أوّلا : منقوض بالجاري لا عن نبع.
وثانيا : أنّ عدم استقرار النجاسة إن اريد به عدم استقرار عينها ، فاعتبار استقرارها مع إمكان استقرار أثرها في الأجزاء المتواصلة من جهة السراية من جزء إلى جزء ـ ولو لاحقا ـ ممنوع ، ما لم يدخل الأجزاء اللاحقة في عنوان المستعلي ، وإن اريد به عدم استقرار أثرها فهو أوّل الدعوى.
وثالثها : عدّة روايات عامّة منها : النبوي ـ المتكرّر ذكره سابقا ـ : « خلق الله الماء طهورا لا ينجّسه شيء ، إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه » (٤).
ومنها : صحيحة حريز عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « كلّما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضّأ من الماء واشرب ، فإن تغيّر الماء وتغيّر الطعم ، فلا تتوضّأ ولا تشرب » (٥).
__________________
(١) حاشية البهبهاني على مدارك الأحكام ١ : ٤٦.
(٢) المعتبر : ٩.
(٣) منتهى المطلب ١ : ٢٨.
(٤) سنن البيهقي ١ : ٢٥٩ ، سنن الدارقطني ١ : ٢٨ ـ ورواها أيضا في المعتبر : ٨.
(٥) التهذيب ١ : ٢١٦ ح ٦٢٥ ـ الاستبصار ١ : ١٢ ح ١٩.