ومنها : حسنة محمّد بن ميسّر قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطريق ، ويريد أن يغتسل منه ، وليس معه إناء يغترف به ، ويداه قذرتان؟ قال : يضع يده ويتوضّأ ، ويغتسل ، هذا ممّا قال الله عزوجل : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (١) (٢). وجه الاستدلال بها : أنّ الأوّلين يدلّان بظاهرهما على انحصار سبب عروض النجاسة في التغيّر ، كما أنّ الأخير يدلّ بإطلاقه على عدم انفعال الماء القليل بقذارة اليد ، سواء حملنا القلّة على المعنى المصطلح عليه عند الفقهاء ، أو على ما يعمّ الكثير المصطلح ، غاية الأمر أنّه خرج منها القليل الراكد بالدليل وبقي الباقي ، ومنه محلّ البحث.
وفيه : أنّ الدليل الّذي أوجب خروج الراكد توجب خروج الجاري ، ودعوى : الاختصاص ، لا وجه لها بعد ملاحظة عموم المفهوم في روايات انفعال القليل.
ورابعها : خصوص صحيحة إسماعيل بن بزيع عن الرضا عليهالسلام « قال : ماء البئر واسع لا يفسده شيء ، إلّا أن يتغيّر ريحه أو طعمه ، فينزح حتّى يذهب الريح ويطيب طعمه ، لأنّ له مادّة » (٣) ، بتقريب : أنّه جعل العلّة في عدم فساده بدون التغيّر وطهارته بزواله وجود المادّة ، والعلّة المنصوصة حجّة.
واعترض عليه تارة : بما عن المحقّق الخراساني (٤) ، ـ وتبعه على ذلك صاحب الحدائق ـ من أنّ التحقيق في العلّة المنصوصة ، أنّ الحكم يتعدّى إلى كلّ موضع يوجد فيه العلّة ، إذا شهدت الحال والقرائن على أنّ خصوص متعلّقها الأوّل لا مدخل له في الحكم لا مطلقا ، وإثبات الشهادة المذكورة هاهنا لا يخلو عن إشكال.
واخرى : بمنع وجود المادّة في الجاري مطلقا ، إذ المادّة كما هو الظاهر لا بدّ أن يكون كرّا مجتمعا ، ووجود مثلها في كلّ جار غير معلوم ، إذ يجوز أن يكون نبعه بطريق الرشح من عروق الأرض ، سلّمنا عدم اعتبار الاجتماع ، لكن وجود الكرّ أيضا متّصلا غير معلوم ، لجواز أن يحصل في بعض العيون الماء بقدر ما يخرج تدريجا في الأرض ، إمّا بانقلاب الهواء كما هو رأي الحكماء ، أو بإيجاد الله تعالى إيّاه من غير مادّة ، أو بذوبان
__________________
(١) الحجّ : ١٣.
(٢) الوسائل ١ : ١٥٢ ب ٨ من أبواب الماء المطلق ح ٥ ـ الكافي ٣ : ٤ / ٢.
(٣) الوسائل ١ : ١٢٧ ب ١٤ من أبواب الماء المطلق ح ٧ ـ التهذيب ١ : ٢٣٤ / ٦٧٢.
(٤) ذخيرة المعاد : ١١٧.