ويمكن الذبّ عنه : بأنّ الاعتبار وقانون التأدية والإيجاز وإن كان يقتضي ذلك ، ولكن ماء الحمّام لمّا اخذ عنوانا في طائفة من الأخبار فذلك دعاهم إلى إفراده بعنوان خاصّ مع مراعاة إعمال القواعد فيه ، بزعم جريانها من غير معارضة لها في تلك الأخبار ، فاعتبروا فيه كرّيّة المادّة أو المجموع كلّ بحسب ما اقتضاه نظره واجتهاده في إجراء القواعد ، جمعا بينها وبين ما اقتضته الأخبار المشار إليها من تخصيصه بالعنوان.
وعلى أيّ حال كان فينبغي أوّلا سوق عنان القلم إلى بيان المراد من ماء الحمّام المبحوث عنه هنا ، وقد أطبق كلمتهم ـ فيما نعلم ـ على تفسيره : بما في الحياض الصغار الّتي لا تبلغ الكرّ ، ثمّ صريح غير واحد مع ظاهر آخرين يقضي باختصاص البحث عنه بصورة اتّصاله بالمادّة ، والمراد بها ـ على ما في كلام بعضهم ـ الحوض الكبير الّذي يجري منه الماء إلى الحياض الصغار ، كما أنّ المراد بالحياض الصغار ـ على ما يستفاد من تتبّع كلماتهم ـ الحياض المتّخذة في جنب الحوض الكبير ليرد عليها الواردون لأخذ الماء والغسل ، بل الاغتسال أيضا على ما هو المعهود من طريقة أهل السنّة ، حيث لا يغتسلون في الحوض الكبير المسمّى بالخزانة ، وكأنّ دليلهم على هذه التقييدات كلّها كونه المنساق من جملة من الروايات الواردة في ماء الحمّام ، كرواية بكر بن حبيب : « ماء الحمّام لا بأس به إذا كانت له مادّة » (١) والمحكيّ عن الفقه الرضوي : « ماء الحمّام سبيله سبيل الجاري إذا كانت له مادّة » (٢) فإنّ كلمة الاختصاص في الظرف تقضي بأنّ المراد به ما يكون للمادّة جهة اختصاص به ، بحيث لا يوجد ذلك الاختصاص في غيره ممّا هو في الحمّام ، ولا يكون ذلك إلّا الحياض الموصوفة بما ذكر الّتي تستمدّ الماء من المادّة.
واعتبار كونها لا تسع الكرّ ، أمّا أوّلا : فلأنّ الغرض من الشرطيّة إفادة ما يعتصم به الماء المذكور ، والكرّ بنفسه معتصم ، فيعود اعتبار وجود المادّة لغوا.
وأمّا ثانيا : فلأنّ روايات ماء الحمّام مسوقة لبيان أنّه أخفّ حكما من سائر المياه كما لا يخفى على المتأمّل ، والتسوية فيه بين كثيره وقليله توجب كون الحكم فيه
__________________
(١) الوسائل ١ : ١٤٩ ب ٧ من أبواب الماء المطلق ح ٤ ـ التهذيب ١ : ٣٧٨ / ١١٦٨.
(٢) فقه الرضا عليهالسلام : ٨٦.