المنساق من الرواية كون الحكم بالطهارة لاحقا هنا بالمائع المتردّد بين الأمرين لا بالمحلّ ، وإن استلزم طهارة الأوّل طهارة المحلّ أيضا.
ولا ينافيه ما في صحيحة زرارة (١) من استناد الإمام عليهالسلام إلى الاستصحاب ، ولا ما يظهر من صحيحة عبد الله بن سنان (٢) من كون الاستناد إلى الحالة السابقة ، فلا داعي إلى حمل المطلقات على هذا المقيّد ، لما قرّر في محلّه من أنّ العامّ والخاصّ لا يحمل أحدهما على الآخر ، فلا يقال : إنّ المراد بـ « كلّ ماء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر » أو « كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر » ما علم له حالة سابقة تصلح للاستناد إليها ، مع أنّ قاعدة حمل المطلق على المقيّد فيما بين المثبتين ـ للتنافي ـ لا تجري إلّا في موضع التكليف الإلزامي والمقام ليس منه ، مع أنّ أصل الحمل لا يمكن بالنسبة إلى الخبر الثالث كما عرفت.
وثالثها : عدم وجوب الفحص والنظر تحصيلا للعلم بالنجاسة ، أو إحراز لأمارة قامت بها على فرض كونها معتبرة في ثبوتها ، والّذي يدلّ عليه صراحة من الأخبار صحيحة زرارة المتضمّنة لقوله عليهالسلام : « لا » ، عقيب قول السائل ، « فهل عليّ إن شككت في أنّه أصابه شيء أن أنظر فيه؟ » (٣).
نعم ، قوله عليهالسلام : « ولكنّك تريد أن تذهب الشكّ الّذي وقع في نفسك » يدلّ على استحبابه ، وهو ممّا لا إشكال فيه لاستقلال العقل بحسن الاحتياط ، ونحو الصحيحة المذكورة في الصراحة على عدم وجوب الفحص الأخبار الاخر النافية للمسألة ، وقد يدّعي الإجماع على عدم وجوبه في العمل بالأصل في الموضوعات الخارجيّة ، كما سمعناه عن بعض مشايخنا العظام (٤) ـ شكر الله مساعيهم ـ مشافهة عند قراءتنا عليه ، والظاهر أنّه في محلّه في الجملة ، وإن اقتضى بعض القواعد وجوبه على ما قرّرناه في بعض تحقيقاتنا الاصوليّة (٥) ، لكن النصوص في خصوص المقام كما عرفت حاكمة عليها.
__________________
(١ و ٢) تقدّم في الصفحة ٤٦٤ الرقم ٢ و ٤.
(٣) تقدّم في الصفحة ٤٦٤ الرقم ٢.
(٤) والمراد منه ـ حيثما أطلق ـ هو الشيخ الأعظم الأنصاري رحمهالله.
(٥) ومن مؤلّفاته رحمهالله في الاصول حاشيته المعروفة على القوانين (المطبوعة سنة ١٢٩٩ ه) وكذا التعليقة على معالم الأصول في سبعة مجلّدات كبار من أوّل مباحث الألفاظ إلى آخر التعادل ـ