الطاهر المطهّر ، وإن كان مع قرينة تدلّ عليه ، فيظنّ باعتبار تلك الغلبة أنّ المراد منه في الآية أيضا هو هذا المعنى ، وإن كان بلا قرينة ، ثمّ عقّبه بقوله : « فتأمّل ».
ويشكل ذلك أيضا ـ بعد تسليم أصل الغلبة ـ : بأنّ المدار في الخروج عن الظواهر عند العرف إنّما هو على القرائن المعتبرة لديهم ، ولم يظهر منهم أنّ مجرّد غلبة استعمال لفظ في معنى مع القرينة قرينة على إرادة هذا المعنى في موضع التجرّد عن القرينة ، بل الظاهر خلافه كما هو المصرّح به في كلام أهل الاصول ، فإنّ ظاهر اللفظ هو الحجّة المحكّمة نوعا ما لم يقم ظنّ معتبر بخلافه ، والظنّ الحاصل عن الغلبة المذكورة ـ على فرض تسليمه ـ ليس من الظنون المعتبرة ، كيف وأنّ مجرّد الغلبة المتحقّقة في الكتاب والسنّة غير كافية في إفادة الظنّ ، بل العبرة فيه بالغلبة المتحقّقة في قاطبة الاستعمالات الصادرة من الشارع في كافّة محاوراته ، لا في خصوص الكتاب والسنّة ، وأيّ طريق إلى إحراز تلك الغلبة.
ثمّ لو سلّمنا ثبوت هذه الغلبة ، فإن أفادت الظنّ بحيث أوجب إجمال اللفظ في نظر العرف وسقوطه عن الظهور ـ كما في المجاز المشهور على فرض تحقّقه ـ فهو لا يوجب إلّا التوقّف ، وإلّا فلا يترتّب عليه أثر أصلا في العدول عن الظاهر ، ولا سقوطه عن الظهور ، وعلى التقديرين لا وجه للعدول إلى خلاف الظاهر وحمل اللفظ عليه ، كما هو المطلوب ولعلّ قوله مدّ ظلّه : « فتأمّل » يشير إلى بعض ما ذكر.
ومنها : ما احتمله شيخنا في الجواهر (١) ، من القول بأنّه يراد المطهّريّة من « الطهور » ولو مجازا ، بقرينة قوله تعالى : (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) (٢) ، وهو كما ترى أضعف الوجوه ، فإنّ الكلام المنفصل عن اللفظ لا يعدّ عندهم صارفة عن الظاهر ، إلّا إذا كان بظاهره معارضا لظاهر ذلك اللفظ ، وأيّ منافاة بين الآيتين إذا اريد بإحداهما إفادة حكم الطهارة المحضة ، وبالاخرى حكم المطهّريّة.
فالّذي يترجّح في النظر القاصر ـ بملاحظة جميع ما قرّرناه من النقوض والإبرامات ـ أنّ إثبات مطهّريّة الماء بآية « الطهور » ممّا لا سبيل إليه ، إلّا على ما قرّرناه
__________________
(١) جواهر الكلام ١ : ١٧٨.
(٢) تهذيب اللغة ٦ : ١٧٢.