« في طين المطر أنّه لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيّام ، إلّا أن يعلم أنّه قد نجسه شيء بعد المطر ، فإن أصابه بعد ثلاثة أيّام فاغسله ، وإن كان الطريق نظيفا لم تغسله » (١).
ولا يذهب عليك أنّ عموم قاعدة انفعال القليل بملاقاة النجاسة ـ حسبما قرّرناه في المباحث السابقة ـ يقتضي عدم الفرق في الانفعال بين ماء المطر وغيره ، خلافا لبعض من ذهب إلى عدم انفعال ماء المطر استنادا إلى عدم العموم في تلك القاعدة كالمحقّق الخوانساري (٢) ، فالقول بعدم الانفعال هنا حال التقاطر مطلقا ـ كما عليه المشهور ـ أو بشرط الجريان مطلقا ، أو مقيّدا بالميزاب ، أو الكثرة الصالحة لأن ينشأ منها الجريان لا يصار إليه إلّا بدليل.
فعلى المشهور لا بدّ من دليلين أحدهما ما يقضي بأصل الحكم الصالح مخصّصا للقاعدة. والآخر ما يقضي بصحّة اشتراط التقاطر وعلى المذهبين الآخرين يزيد عليهما لزوم دليل ثالث يدلّ على اعتبار الجريان أو الكثرة ، لا بمعنى لزوم إقامة أدلّة منفصلة على هذه المطالب ، بل بمعنى لزوم إقامة ما يحتويها جميعا ، اتّحد أو تعدّد ، وحينئذ فلو استدلّ المشهور على ما صاروا إليه بالصحيحة الاولى المشتملة على قول السائل : « عن الرجل يمرّ في ماء المطر ، وقد صبّ فيه خمر » كان كافيا لهم في ثبوت مطلوبهم بكلا جزأيه ، أمّا الجزء الأوّل : فواضح ، وأمّا الجزء الثاني : فلعدم تناول الصحيحة في الإخراج عن القاعدة إلّا حال التقاطر ، فيجب عدم التعدّي إلى غيرها ، اقتصارا فيما خالف الأصل على مورد الدليل ، وإنّما يتّضح هذا البيان بالقياس إلى صغرى القياس على تقدير كون الإضافة في قوله : « في ماء المطر » بيانيّة إذ المرور في المطر ظاهر ـ كالصريح ـ فيه حال النزول والتقاطر ، والمفروض عدم اشتمال الجواب على عامّ أو مطلق ليتّجه القول بعدم صلاحية المورد لتخصيصه.
وأمّا على احتمال كونها لاميّة ، فربّما يدخل في الوهم شمول الجواب بملاحظة ترك الاستفصال حال التقاطر وغيرها ، إلّا أنّه لا يجدي نفعا في استفادة التعميم من الرواية
__________________
(١) الوسائل ١ : ١٤٧ ب ٦ من أبواب الماء المطلق ح ٦ واورد تمامه في الحديث ١ من ب ٧٥ من أبواب النجاسات ـ الكافي ٣ : ١٣ / ٤.
(٢) مشارق الشموس : ٢١١ حيث قال ـ في الاستدلال على عدم انفعال ماء المطر بملاقاة النجاسة ـ : « لما مرّ مرارا أنّ عموم انفعال القليل لا دليل عليه سوى عدم القول بالفصل في بعض الموارد والقول بالفصل هاهنا موجود ، فالظاهر البناء على أصالة الطهارة ... ».