في البئر ، وعن كاشف الغطاء ما يرجع محصّله : إلى « أنّ من لاحظ ذلك لم يحتج إلى النظر في الأخبار ، عامّها وخاصّها » (١) ولعلّ المقصود بيان لزوم هذا المحذور على تقدير النجاسة ، مع سائر لوازمها الّتي منها وجوب النزح بأعدادها المقدّرة ، وعلى هذا فالإلزام عليه في محلّه ، والمحذور وارد ، وإلّا فإن كان المراد بيان لزومه لمجرّد النجاسة الداعية إلى التجنّب ، فلزومه بعد جعل النزح طريقا إلى تطهيره في محلّ المنع ، كما لا يخفى.
وخامسها : ما اعتمد عليه بعضهم من أنّه يلزم على التنجيس الحكم بنجاسة الكرّ المصاحب للنجاسة إذا القي في البئر مع نجاسة البئر، والأدلّة تبطله ، والحكم بنجاسة البئر دون الكرّ مع فرض عدم تميّز أحدهما عن الآخر ، غير معقول.
وفيه : ما لا يخفى من توجّه المنع إلى بطلان التالي ، فإنّ الأدلّة المبطلة له إن اريد بها الأدلّة القاضية بكون الكرّيّة عاصمة عن الانفعال ، فجريانها في الفرض المذكور ليس بأقوى من جريانها في الكرّ بل الكرور الّتي هي في نفس البئر ، على أنّ بناء القول بالنجاسة على تخصيص تلك الأدلّة ، فلا يفترق الحال في ذلك بين كون الكرّ الحاصل فيه أصليّا أو عارضيّا بوقوعه عليها من الخارج ، وظهور الإضافة في « ماء البئر » في الماء النابع فيها لا يقدح في ذلك ، بعد البناء على كون دليله عامّا ، كما يرشد إلى الاعتراف به دعوى الملازمة.
وإن اريد بها ما عدا تلك الأدلّة فنطالبه ببيانه حتّى ننظر في حاله ، كيف ولا دليل هنا سوى الاستبعاد الغير الصالح للتعويل عليه في استنباط الحكم الشرعي.
وبذلك يظهر ضعف ما استدلّ به أيضا : من أنّه يبعد كثيرا الحكم بنجاستها مع نبعها واتّصالها بالمياه الكثيرة ، بل بالبحر لو فرض ، مع اشتمال الخارج على الكرور أيضا ، ولو اخرج من مائها خارجها مقدار الكرّ لم ينجّس بالملاقاة ، فإنّ الحكم عند القائل به من لوازم الخصوصيّة البئريّة ، ولا يقدح فيها النبع والاتّصال بالكثير ، ويمكن منع الملازمة في تلك الصورة بالقياس إلى مسألة الاتصال بالكثير ، لجواز كونه قائلا بالتقوّي في تلك الصورة ، لكنّه يطالب بدليل التقوّي ، فإنّه لا بدّ وأن يكون عامّا بحيث يشمل المفروض.
__________________
(١) كشف الغطاء : ١٩٢.