المستثنى مع المستثنى منه في الحكم فلغى الاستثناء ، وهو كما ترى.
فالإنصاف : أنّها كما تدلّ على عدم النجاسة مع عدم التغيّر دلالة واضحة ، فكذلك تدلّ على عدم وجوب النزح أيضا ، حيث أنّه خصّه بصورة التغيّر ، كما تنبّه عليه صاحب المدارك في حاشية الاستبصار عند اعتراضه على الشيخ في التأويل المذكور حيث قال : « وما ذكره الشيخ من معنى الخبر بعيد جدّا ، ومع ذلك فيتوجّه عليه : أنّ عدم جواز الانتفاع بشيء من ماء البئر يتحقّق مع التغيّر في كثير من النجاسات عند القائلين بالتنجيس ، كما أنّه قد يجوز الانتفاع بالباقي إذا زال التغيّر بنزح البعض ، فإطلاق القول بعدم جواز الانتفاع بشيء منه مع التغيّر وجوازه مطلقا بدونه غير مستقيم ، وهذه الرواية كما تدلّ على عدم انفعال البئر بالملاقاة كذا تدلّ على عدم وجوب النزح بدون التغيّر ، لأنّه عليهالسلام اكتفى في تطهيره مع التغيّر بنزح ما يذهب الريح ويطيب الطعم ، ولو وجب نزح المقادير المعيّنة لم يكن ذلك كافيا ، إذ لا يحصل به استيفاء المقدّر ، ويشهد لذلك الاختلاف الكثير الواقع في قدر النزح كما ستطلع عليه ، فإنّه قرينة الاستحباب » (١) انتهى.
والوجه في دلالة الخبر على عدم الانفعال مع عدم التغيّر ، أنّ المراد بالإفساد الّذي حصره عليهالسلام في صورة التغيّر إنّما هو التنجيس ، بقرينة الوصف بالسعة واستثناء صورة التغيّر ، فإنّه موجب للتنجيس فيكون المنتفي عن المستثنى منه مع عدم التغيّر هو التنجيس أيضا ، كما ذكره في أوّل الحاشية المذكورة.
وأمّا « السعة » فيمكن أن يراد بها السعة الحسّية ، وهي الّتي تفرض بحسب المساحة طولا وعرضا وعمقا ، فيكون في الخبر حينئذ إشعار باعتبار الكرّيّة ـ كما هو أحد أقوال المسألة ـ كما يمكن أن يراد بها السعة المعنويّة ، وهي القوّة العاصمة له عن الانفعال بدون التغيّر ـ أي القوّة الغير القابلة للانفعال بدونه ـ وهو الأظهر بقرينة وصفها بعدم الإفساد ، فإنّ هذا الوصف إمّا تفسير للسعة فلا يصلح إلّا إذا اريد بها السعة المعنويّة ، لأنّه وصف معنوي ومن الواجب اتّحاد المفسّر والمفسّر ، أو تقييد لها فلا يصلح وصفا للكرّيّة ، لأنّ الكرّ مع عدم التغيّر لا ينقسم إلى ما يقبل منه الفساد وما لا يقبله ، بل الّذي ينقسم إليها الماء لا بشرط الكرّيّة ولا بشرط عدمها ، فلا بدّ وأن يعتبر
__________________
(١) لم نعثر عليه.