ففيه : منع أخصّيّة المفهوم ، بل النسبة بينه وبين الخبر عموم من وجه ، لأنّ الخبر أعمّ من الكرّ وعدمه ، والمفهوم أعمّ من ماء البئر وغيره ، فيجب التخصيص في أحدهما ، وهو في المفهوم أولى منه في الخبر ، لكون دلالته منطوقيّة والمنطوق أقوى من المفهوم ، ولا سيّما المنطوق المؤدّى بعبارة الحصر الّذي هو من أظهر الظواهر ، ولا ريب أنّ الأظهر لا يترك بالظاهر.
وأنّ (١) ترك ظهور الكلام في بعض فقراته كالمستثنى مثلا لدليل لا يقضي بضعف ظهوره بالقياس إلى الفقرة الاخرى وهي المستثنى منه هنا.
وحاصله : أنّ التقييد في المستثنى بزيادة شيء عليه لا يقضي بتقييد المستثنى منه لغير جهة تلك الزيادة ، ولا رفع اليد عن ظهوره بغير جهة التقييد كما لا يخفى.
ومنها : الصحيح المرويّ في التهذيب عن عليّ بن جعفر عن موسى بن جعفر عليهماالسلام قال : سألته عن بئر ماء وقع فيها زنبيل (٢) من عذرة رطبة ، أو يابسة ، أو زنبيل من سرقين ، أيصلح الوضوء منها؟ قال : « لا بأس » (٣).
وعن الشهيد في غاية المراد : « أنّ المراد من العذرة والسرقين النجس ، لأنّ الفقيه لا يسأل عن ملاقاة الطاهر » (٤).
وقريب منه ما في المدارك قائلا ـ في دفع الاعتراض على الخبر بأنّ العذرة والسرقين أعمّ من النجس فلا يدلّ عليه ، لعدم دلالة العامّ على الخاصّ ـ : « بأنّ العذرة لغة وعرفا فضلة الإنسان ، والسرقين وإن كان أعمّ منه إلّا أنّ المراد منه هنا النجس ، لأنّ الفقيه لا يسأل عن الطاهر » (٥) أقول : هذا الكلام بالقياس إلى السرقين لعلّه غير وجيه ، لظهور « السرقين » عرفا ولغة في روث الدوابّ ، ولا جهة فيه للعموم ، ولا ينافي السؤال عنه لفقاهة السائل لجواز ابتنائه على توهّم النجاسة في روث الدوابّ.
ولقد أجاد المحقّق البهبهاني في حاشية المدارك قائلا بما يرجع محصّله إلى دعوى : « كون المتعارف في السرقين مثل الحمار والبغل والخيل والأنعام ، وسيجيء في
__________________
(١) هذا جواب عن الاعتراض على الرواية بقوله : و « بأنّه متروك الظاهر » الخ.
(٢) الزبيل والزنبيل : جراب ، وقيل : وعاء يحمل فيه. لسان العرب ١١ : ٣٠٠.
(٣) الوسائل ١ : ١٧٢ ب ١٤ من أبواب الماء المطلق ح ٨ التهذيب ١ : ٢٤٦ قطعة من الحديث ٧٠٩.
(٤) غاية المراد ١ : ٦٩.
(٥) مدارك الأحكام ١ : ٥٨.