الّتي لها مادّة ، فإنّ ذلك هو الّذي يراعى فيه الاعتبار بالكرّ.
والثاني : أن يكون ذلك ورد مورد التقيّة ، لأنّ من الفقهاء من سوّى بين الآبار والغدران في قلّتها وكثرتها ، فيجوز أن يكون الخبر ورد موافقا لهم ، والّذي يبيّن ذلك أنّ الحسن بن صالح ـ راوي هذا الحديث ـ زيديّ بتري ، متروك الحديث فيما يختصّ به.
والجواب عن الثاني : بما تقدّم الإشارة إليه من عدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة في لفظة « كثير » فلا بدّ من حملها على الكثرة العرفيّة ، وهي غير معتبرة في عدم انفعال الماء إجماعا ، فيجب كونها معتبرة للتحفّظ عن التغيّر ، ولو سلّم فهي محتملة للتقيّة كما عرفت في كلام الشيخ ، ومع هذا كلّه فهي معرض عنها الأصحاب بأجمعهم وكان القول بموجبها خرق للإجماع.
وعن الثالث : بعدم اعتبار السند ، وعلى فرض الاعتبار يتوهّن بما عرفت.
وعن الرابع : بأنّ عمومات الكرّ تخصّص بما عدا البئر ، تحكيما لعمومات البئر عليها ، وإن كان بينهما عموم من وجه حسبما عرفت سابقا مع وجه التحكيم ، دون العكس.
وقد يقرّر الاحتجاج بذلك على وجه لا يتوجّه إليه ما ذكر من التحكيم ، وهو عموم أدلّة انفعال القليل ، ولا يعارضها عموم أدلّة طهارة ماء البئر لانصراف ما فيها من الإطلاق إلى ما يبلغ الكرّ ، بملاحظة أنّه الغالب في الآبار ، ولذا ترى أنّهم عليهمالسلام أمروا أحيانا بنزح مائة دلو وسبعين دلوا ، والكرّ ، من غير تقييد بكون الماء كثيرا تعويلا على الغالب.
ودعوى : أنّ العمومات مخصّصة بما دلّ على طهارة البئر عند التغيّر ، بنزحها حتّى يزول التغيّر ، فلو لا اعتصام الماء لا نفعل ما يخرج منها بملاقاة المتغيّر ، مدفوعة : باحتمال كون النزح مطهّرا تعبّديّا على خلاف القاعدة.
واجيب عنه : بأنّه لو لا إعراض الأصحاب عن هذا القول أمكن المصير إليه ، لقوّة مستنده.
وأمّا قول الجعفي : فلم نقف على مستنده.
ثمّ على المختار فهل النزح الوارد في الأخبار المستفيضة واجب أو لا؟ فيه خلاف ، فعن المشهور القول باستحبابه ، وصرّح الشيخ في التهذيبين (١) بوجوبه ، وهو صريح
__________________
(١) الاستبصار ١ : ٣١ ذيل الحديث ٨٤ قال فيه : « فليس لأحد أن يجعل ذلك دليلا أنّ المراد بمقادير النزح ضرب من الاستحباب » ـ التهذيب ١ : ٢٣٢.