ويستفاد هذا المعنى مع جميع ما ذكر من معنى الوجوب هنا وغيره من الشيخ في التهذيب ، حيث إنّه بعد ما نقل عبارة شيخه المفيد قدسسره في المقنعة وهو قوله : « وبقي أن ندلّ على وجوب تطهير مياه الآبار ، وأنّ من استعملها قبل تطهيره يجب عليه إعادة ما استعمله فيه إن وضوءا فوضوءا ، وإن غسلا فغسلا وإن كان غسل الثياب فكذلك ».
قال : « قال محمّد بن الحسن : عندي أنّ هذا إذا كان قد غيّر ما وقع فيه من النجاسة أحد أوصاف الماء ، إمّا ريحه أو طعمه أو لونه ، فأمّا إذا لم يتغيّر شيئا من ذلك فلا يجب إعادة شيء من ذلك ، وإن كان لا يجوز استعماله إلّا بعد تطهيره » (١).
أقول : ويشكل ذلك بأنّه إذا كان أصل الاستعمال حراما فكيف يعقل صحّة الوضوء أو الغسل معه وإن لم يكن الماء نجسا ، فإنّ اجتماع الأمر والنهي غير جائز عقلا ولو كان الأمر غيريّا ، ـ كما قرّر في محلّه ـ وكان قوله بالصحّة مبنيّ على تجويزه الاجتماع بينهما مطلقا ، أو إذا كان الأمر غيريّا ، وكيف كان فمراد أهل القول بوجوب النزح تعبّدا كونه شرطا لإباحة استعمال الماء ، وهو لا يستلزم نجاسته جزما. وحينئذ فلا وقع لما اورد (٢) عليهم : « من أنّهم إن أرادوا به الوجوب الشرطي لما يشترط فيه الطهارة من الشرب ، والاستعمال في المأكول ، والطهارة به من الحدث والخبث ، بمعنى عدم جواز هذه الامور قبل النزح ، فليس النجاسة إلّا ما منع استعماله في هذه الامور ، فإذا تحقّق المنع عن هذه الامور تحقّقت النجاسة ، ويلزمها نجاسة الملاقي له ، فلا يرد أنّ الثمرة تظهر في عدم تنجّس ملاقيه. فتأمّل.
وإن أرادوا الوجوب النفسي ففي غاية البعد عن ظاهر الروايات » فإنّ (٣) النجاسة وصف وجوديّ هو منشأ للمنع عن الامور المذكورة لا أنّها نفس المنع عنها ، ولا ريب أنّ منشأ المنع أعمّ من النجاسة ، ولذا ترى المنع عنها ثابتا في الماء المغصوب أيضا ، ولا يقال : بأنّه نجاسة ، فالثمرة المذكورة في محلّها ، ولعلّ الأمر بالتأمّل في كلامه إشارة إلى المعنى الّذي قرّرناه.
فالأولى أن يقال في ردّهم : بأنّ قولكم بوجوب النزح بالمعنى المذكور نشأ عن
__________________
(١) التهذيب ١ : ٢٣٢.
(٢) والمورد هو الشيخ الأنصاري رحمهالله في كتاب الطهارة ١ : ٢٠٧.
(٣) هذا جواب عن إيراد الشيخ الأعظم رحمهالله.