لتصحيح العمل لا ينافي حرمته في صورة التذكّر ، المستلزمة لبطلان العمل ، حذرا عن اجتماع الأمر والنهي ، فصحّة العمل في صورة التذكّر لا تستفاد من تلك الأخبار ، فهي ساكتة عن إفادة استحباب النزح كما هي ساكتة عن إفادة حرمة الاستعمال قبله ، فحينئذ لا بدّ في تعيين أحد المعنيين من ملاحظة روايات النزح وتحصيل الشاهد منها.
ولكن يدفعه : منع إطلاق هذا التنزيل ، بل جملة من تلك الأخبار صريحة في صورة العلم ، كصحيحة عليّ بن جعفر (١) ، وصحيحة زرارة (٢) ، ومرسلة عليّ بن حديد (٣) ، وجملة اخرى مطلقة بالقياس إلى صورتي العلم والجهل ، كصحيحة معاوية بن عمّار المشتملة على قوله عليهالسلام : « لا يغسل الثوب ، ولا تعاد الصلاة ممّا وقع في البئر ، إلّا أن ينتن » (٤) ، وموثّقة زيد بن أبي اسامة الشحّام (٥) ، ولا ريب أنّه لا داعي فيها إلى التنزيل المذكور ، فإذا كانت هي بصراحتها أو إطلاقها شاملة لصورة العلم بالملاقاة مع تضمّنها لصحّة الوضوء ونحوه ، فكما لا يمكن القول في مواردها بالنجاسة ، فكذلك لا يمكن القول بحرمة الاستعمال حذرا عن اجتماع الأمر والنهي.
واحتمال كون روايات النزح مخصّصة لها بما بعد النزح ، يدفعه : مع أنّه موجب لحمل كلام المعصوم عليهالسلام على ما لا حاجة له إلى البيان ، من حيث إنّ الصحّة وعدم البأس ممّا يعلمه كلّ أحد حتّى على تقدير النجاسة الّتي ترتفع بالنزح ، أنّ أخبار النزح بناء على صلوحها للتخصيص لا تنافي كون اعتبار النزح لأجل التطهير وإزالة النجاسة ، وليست بظاهرة الدلالة على أنّه لأجل حرمة الاستعمال قبله.
ثمّ بعد البناء على الطهارة بأدلّة اخرى خارجة عنها ، فكما أنّها محتملة لإفادة شرطيّة النزح المستلزمة لحرمة الاستعمال بدونه ، فكذلك محتملة لاستحبابه ، فلا تنافي بينها وبين أخبار الطهارة القاضية بصحّة العمل بدون النزح ، ومعه لا تصلح مخصّصة ، وحيث إنّ هذا الاحتمال قائم فيها مع الاحتمال الأوّل فلم يثبت فيها عنوان المخصّصيّة ،
__________________
(١) الوسائل ١ : ١٧٢ ب ١٤ من أبواب الماء المطلق ح ٨ ـ التهذيب ١ : ٢٤٧ قطعة من الحديث ٧٠٩.
(٢) الوسائل ١ : ١٧٠ ب ١٤ من أبواب الماء المطلق ح ٢ ـ التهذيب ١ : ٤٠٩ / ١٢٨٩.
(٣) الوسائل ١ : ١٧٤ ب ١٤ من أبواب الماء المطلق ح ١٤ ـ التهذيب ١ : ٢٣٩ / ٦٩٣.
(٤ و ٥) الوسائل ١ : ١٧٣ ب ١٤ من أبواب الماء المطلق ح ١٠ و ١٢ ـ التهذيب ١ : ٢٣٢ و ٢٣٣ / ٦٧٠ و ٦٧٤.