كفى الاتّصال كان الطهر بمجرّد زوال التغيّر كما في اللمعة (١) والجعفريّة (٢).
وهذا أيضا بمكان من الوهن ، فإنّ إفراد الجاري المتغيّر بهذا التعبير وجعل اعتبار الوصفين مغيّا بغاية زوال التغيّر ـ على فرض استلزامهما الامتزاج ـ يأبى عن كون ذلك لتوقّف الطهر عليه ، مع ملاحظة أنّ توقّف زوال التغيّر في الغالب عليهما أمر حسّي لا يقبل الإنكار.
وظنّي أنّ هذا التعبير في الجاري المتغيّر نظير تعبيرهم في القليل المتغيّر بأنّه يطهّر بإلقاء كرّ عليه فما زاد كما في الشرائع (٣) وغيره ؛ مع إجماعهم على أنّ الزيادة على الكرّيّة لا تعتبر إلّا حيث يتوقّف عليها زوال التغيّر.
وقال في المنتهى : « والواقف إنّما يطهّر بإلقاء كرّ عليه دفعة من المطلق بحيث يزول تغيّره ، وإن لم يزل فبإلقاء كرّ آخر عليه وهكذا » (٤) وقال أيضا بعد ذلك بقليل : « الماء القليل وإن لم يتغيّر بالنجاسة فطريق تطهيره بإلقاء كرّ عليه أيضا دفعة ، فإن زال تغيّره فقد طهر إجماعا ، وإن لم يزل وجب إلقاء كرّ آخر وهكذا إلى أن يزول التغيّر » (٥).
فاعتبار التدافع والتكاثر في كلامهم ليس إلّا من حيث توقّف زوال التغيّر عليهما ، ولذا أنّ العلّامة في المنتهى صدر منه العبارة المذكورة بعينها مع أنّ ظاهره فيه بل صريحه في بعض مواضع منه كفاية مجرّد الاتّصال وعدم اعتبار الامتزاج ، فما عن جامع المقاصد (٦) أيضا من جعله التعبير بتلك العبارة مبنيّا على اعتبار الامتزاج ، ليس على ما ينبغي.
فالإنصاف : أنّ هذا القول صريحا لم يثبت إلّا من المحقّق والعلّامة والشهيد في المعتبر والتذكرة والذكرى ، فعن المعتبر في مسألة الغديرين المتواصلين ما تقدّم من قوله : « لو نقص الغدير عن كرّ فوصل بغدير آخر فيه كرّ ففي طهارته تردّد ؛ والأشبه بقاؤه على النجاسة لأنّه ممتاز عن الطاهر ، والنجس لو غلب الطاهر ينجّسه مع ممازجته فكيف مع مباينته » (٧).
وربّما يستظهر ذلك من كلامه الآخر فيه ، قائلا ـ في الاستدلال على طهارة القليل النجس بورود كرّ من الماء عليه ـ : « بأنّ الوارد لا يقبل النجاسة والنجس مستهلك » (٨) فإنّه كالصريح في اعتبار الامتزاج.
__________________
(١) اللمعة الدمشقيّة : ١٥.
(٢) الجعفريّة (رسائل المحقّق الكركي ١ : ٨٣.
(٣) شرائع الإسلام ١ : ٧. (٤ و ٥) منتهى المطلب ١ : ٦٤ و ٦٥.
(٦) جامع المقاصد ١ : ١٣٥.
(٧ و ٨) المعتبر : ١١.